إِذا فُتِنَ الْغُرَابُ بِريش دِيك ‏فَلَا عَجَباً بِما فُتِنَ الْغُرَابُ بيت شعر عربي قديم يُقال لمن يُفتن بأي أمرٍ هين وعادي قد اعتاده الناس لا يُبْهِر إلا مَنْ لم يرَ خيراً في حياته. فهو بيت يحمل معنى الاستغراب والدهشة من الانجذاب إلى شيء تافه أو أقل قيمة.

فإذا الغراب البشع قد انبهر بريش الديك العادي الذي لا يُبهر أحداً، فماذا سيفعل إذا ما رأى ما هو أبهى وأجمل، كريش الطاووس مثلاً؟ هذا الغراب يشبهه بعض البشر الذين تجذبهم أمور هي عند معظم الناس سطحية أو قليلة الشأن والقيمة.

Ad

قيل هذا البيت من الشعر القديم وكأنه يحاكي في زمننا هذا المنبهرين والمهووسين بالماركات والصرعات الغريبة. البيت منسوب إلى الشاعر الهجَّاء أبي تمام، قاله وهو يهجو فيه فئة من الناس في عصر الدولة العباسية، العظمى في زمانه، الذين انبهروا بأزياء وحضارات أمم هم فاتحوها ويحكمونها.

أبوتمام اختار الغراب تحديداً ليهجو به المنبهرين والمنجذبين لحضارات غيرهم متعمداً، لأنه طائر لا يليق به التجمُّل مهما فعل بريشه أو حتى بمشيته التي حاول أن يقلد فيها الطاووس فسقط. وهناك مثل شعبي يتماشى مع بيت شعرنا هذا يقول: «يا شين السرج على البقر»، فهو لا يليق بها، وهو أصلاً صُنع من أجل الخيول لركوب الفرسان، فأين البقر من هذا الشرف؟!

وهناك شعراء نصحوا بأن يقوم المرء بما يقدر عليه أو يليق به، فقال أحدهم:

إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ

وجاوزهُ إلى ما تستطيعُ

الغراب هان عليه سواده، وخجل منه، فافتتن بغيره، رغم تفاهته، كمن استسهل الذل بعد فقدان كرامته. أبو الطيب المتنبي قال في هذا المعنى:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيْهِ

مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ

فعلى المرء أن يفخر بما فيه، وألا ينجرف نحو المظاهر الزائفة، فعنترة مثلاً افتخر بما هو أصيل فيه، وهي قوته، ولم يكن كالغراب الأسود الذي يبحث عن فضائل ليست من طبعه، فقال في ذلك متفاخراً بنفسه وفروسيته، لا بغيره رغم سواد بشرته:

وَإِنِّي إِنْ أُكْثِرُ الْخَيلَ تَأْخُذُنِي

فَضَائِلُهَا وَالْمَجْدُ غَيْرُ مُحَالِ

مظفر النواب استخدم التشبيه بالغراب في نقده السياسي لتبعية بعض الأنظمة، فقال:

حينما يباعُ الوطنُ بِصوتٍ عالٍ

فلا تَلُمْ غُراباً صارَ يُقلِّدُ ديكاً

حفظ الله أجيالنا من ترك العلم والتعلُّم، والانجراف وراء المظاهر والقشور.