عُرفت الكويت منذ نشأتها بطيب أهلها وكثرة مساجدها الرحبة، المفتّحة أبوابها في أغلب الأوقات، ليصلي فيها الجميع، الفقير والغني، والعامل والمسؤول، والتاجر والعابر، دون أن يتقيد أحد بتوقيت. ونحمد الله على هذه «المرونة المباركة في أوقات الإقامة» التي كانت ولا تزال بإذن الله أحد ملامح «التيسير» التي تجذّرت في وجدان هذا المجتمع المحافظ.

إن المسجد ليس مبنى للصلاة فقط، بل هو أحد أعمدة أساس المجتمع الكويتي، وهو ملتقى لأهل الحي، ومركز للتعليم. فيه تقام الدروس الفقهية، والمحاضرات الدينية والخواطر الإيمانية، والحلقات القرآنية، التي تعد من أهم ركائز الوعي، وتعزيز القيم والأخلاق الكريمة، وفيها يتجلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

Ad

لذلك، فإن القرار الصادر مؤخراً من وزارة الأوقاف، بشأن «تقليص أوقات الإقامة في المساجد لترشيد الكهرباء»، يُثير الاستغراب والأسى، لاسيما حين يُتخذ على حساب شعيرة عظيمة، دون دراسة ميدانية متينة أو معالجات بديلة.

إن تقليص أوقات الإقامة يعتبر مساساً بمكتسب إيماني وثقافي وروحي، الذي يعكس عمق التراحم بين الدولة وأفرادها، فلا يجوز لنا أن نُقدِّم شعيرة ربانية عظيمة قرباناً على مذبح الترشيد، لاسيما إذا لم تُثبت الأرقام والدراسات أنها تمثّل عبئاً حقيقياً.

والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل أجريت دراسات ميدانية متخصصة من قبل مهندسين مختصين في الطاقة، تثبت أن إنارة المساجد وتكييفها من الأسباب الجوهرية التي تستنزف الطاقة الكهربائية للكويت؟!

لقد اقترح عدد من مهندسي الكهرباء والمهتمين بالشأن البيئي حلولا أفضل من فكرة «تقليص أوقات الصلاة» للحفاظ على الكهرباء، مثل:

- تقليص ساعات العمل الرسمية صيفا في أغلب وزارات الدولة، وهو الخيار الأمثل، وقد جرى تطبيقه في بعض الدول.

- تركيب منظمات الحرارة الذكية لترشيد الكهرباء والماء، وضبط التكييف تلقائيا لدرجة حرارة معتدلة في الوزارات.

- إعادة النظر في التشغيل الكلي للمباني والدوائر الحكومية المهجورة مساء.

- معالجة الأنظمة القديمة للتكييف في الأبنية العامة.

- تركيب الألواح الشمسية في المباني الحكومية والخاصة.

- تصميم مبان ومساجد بمواصفات صديقة للبيئة في المستقبل، تراعي الإنارة والتهوية والعزل الطبيعي، وتحسين كفاءة المباني الحالية بقدر المستطاع.

- مراجعة استهلاك المجمعات التجارية والفنادق الكبرى، التي تستهلك الطاقة بمعدلات فلكية.

أعزائي القراء، إن المساجد في أغلبها، ليست سوى نقاط ضوء في بحرٍ من الاستهلاك الضخم، فلماذا نُحمّل المساجد وزر أزمة الكهرباء؟!

إننا نُقدّر حرص المسؤولين في وزارة الأوقاف على المال العام، ولكننا نرجو منهم أن ينظروا في حلول أخرى للترشيد. وألا يكون ذلك على حساب «أوقات الإقامة» التي تمنح المصلين فسحة من الراحة والطمأنينة لتأدية صلاتهم وقراءة القرآن في سكينة ومكث، لاسيما في بلد يُقدّر العمل والإنتاج، ويحترم ظروف الناس، ويعينهم على الفضائل، والتمسك بحبل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

فهنيئاً لمن وسّع على المسلمين، وفتح بيوت الله ليُذكر فيها اسمه، وسعى في إعمارها.