بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، تتجدد النقاشات حول توجهات إدارته حيال التغير المناخي، خاصة في ظل ما أعلنه مؤخراً عن عزمه إعادة تشكيل اللجنة المسؤولة عن «التقييم الوطني للمناخ» – التقرير العلمي الرسمي الذي يصدر دورياً لتقييم آثار التغير المناخي على الولايات المتحدة. وبحسب عدد من التقارير، فإن الرئيس ترامب يرى أن اللجنة الحالية «متشائمة أكثر مما ينبغي»، ويميل إلى مراجعة آلية إعداد التقرير بحيث يعكس، من وجهة نظره، واقعاً «أقل مبالغة» في توصيف التحديات المناخية.
تأتي هذه الخطوة في وقت يواجه فيه العالم تسارعاً ملحوظاً في الظواهر المناخية الحادة: موجات الحر الشديدة، حرائق الغابات، ارتفاع مستويات البحار، والتغير في أنماط الأمطار. وقد أظهرت الإحصاءات أن الولايات المتحدة تكبّدت في السنوات الأخيرة خسائر بمليارات الدولارات نتيجة الكوارث الطبيعية ذات صلة بالتغير المناخي.
«التقييم الوطني للمناخ» يُعد وثيقة مرجعية أساسية تعتمد على بيانات علمية متراكمة من مئات الباحثين ومراكز الأبحاث الوطنية في الولايات المتحدة. وأي تغيير في بنية اللجنة أو في منهجية إعداد التقرير من شأنه أن يؤثر في رسم السياسات الفدرالية المتعلقة بالطاقة، والتخطيط العمراني، والزراعة، والتأمين. الرئيس ترامب لطالما عبّر عن تحفظه على مقاربات بعض العلماء فيما يتعلق بالمناخ، داعياً إلى عدم إغفال الأبعاد الاقتصادية والعملية في التعامل مع هذه القضايا. وهو بذلك يطرح رؤية مغايرة تقوم على مراجعة خطاب الطوارئ المناخية لصالح خطاب أكثر «توازناً»، كما تصفه أوساط إدارته.
لكن في المقابل، يرى كثير من العلماء والأكاديميين والمختصين أن تعديل مضمون التقرير المناخي أو التشكيك بمخرجاته قد يؤدي إلى تآكل ثقة الرأي العام بالمؤسسات العلمية، ويعقّد مهمة الاستجابة الوطنية للتغير المناخي، التي تتطلب تنسيقاً عالي المستوى بين البيانات العلمية وصناع القرار. عودة الرئيس ترامب فتحت فصلاً جديداً في العلاقة بين البيت الأبيض والمجتمع العلمي، خاصة في قضايا المناخ. والتحدي اليوم لا يكمن في نفي أو تأكيد الظاهرة، بل في كيفية بناء سياسات فاعلة تستند إلى العلم من جهة، وإلى مصالح الاقتصاد والمجتمع من جهة أخرى.
المرحلة المقبلة ستكون اختباراً دقيقاً لقدرة المؤسسات العلمية الأميركية على المحافظة على استقلاليتها، وفي الوقت ذاته قدرتها على التواصل بفعالية مع إدارة ترى في مراجعة المفاهيم السائدة مدخلاً لإصلاح السياسات.
تحقيق التقدم في مواجهة التغير المناخي أو أي تحدٍّ علمي معقد يتطلب تنسيقاً فعّالاً بين الرأي العلمي والسياسات العامة، مع مراعاة الأثر الاقتصادي والاجتماعي لأي قرار يُتخذ. فلا ينبغي أن تُبنى السياسات على العلم المجرد وحده، ولا أن تُصاغ بمعزل عن المعطيات العلمية. نحن بحاجة إلى بيئة تشاركية تُبنى فيها العلاقة بين العلماء وصنّاع القرار على أساس من الثقة المتبادلة، بحيث يتحول الحوار بين الطرفين من صراع إلى تكامل، ومن تصادم إلى تعاون يخدم مصلحة المجتمع بأسره.