ظهر هذا المقال لأول مرة في صحيفة وول ستريت جورنال بتاريخ 2 مايو 1975، عقب سقوط سايغون بيد الشيوعيين في 30 أبريل.

فيتنام الجنوبية، التي عرفتها على مدى 7 سنوات، قد انتهت. ورغم الانتقادات الكثيرة التي وجهتها لها، لم أعتقد أنها تستحق هذه النهاية.

Ad

بعض الأميركيين شعروا بالارتياح لانتهاء الحرب، وآخرون تمنَّوا سقوط فيتنام الجنوبية منذ زمن. لكن هناك مَنْ يأسف على رحيلها، وأنا منهم. لقد خضعت هذه الدولة الصغيرة لهجمة نقدية قاسية من الصحافيين، بمَنْ فيهم أنا، فكشفنا عيوبها ومشكلاتها دون رحمة. وفي النهاية، ثبت أن أشد المتشائمين كانوا على حق. سقطت فيتنام الجنوبية فجأة، وبشكل كامل، وكان ذلك سقوطاً مأساوياً.

رغم ضعف مؤسساتها، قاومت فيتنام الجنوبية لسنوات طويلة، أحياناً دون دعم كبير من الولايات المتحدة. لم تمتلك قضية موحدة تحفز شعبها، كما فعل الشماليون الشيوعيون، ولم يكن العداء للشيوعية أو حُب الرأسمالية كافياً لإلهام الجماهير.

الرئيس نغوين فان تيو لم يكن قائداً كاريزماتياً، بل كان ضابطاً عسكرياً منعزلاً ماهراً في ألعاب السياسة الداخلية، دون أن يتمكَّن من توحيد شعبه. ومع ذلك، لم يكن تيو أقل شأناً من كثير من الجنرالات الذين حكموا بلداناً نامية حول العالم.

كانت فيتنام الجنوبية مجتمعاً منقسماً، ديموقراطيتها شكلية، وفسادها مستشرياً على مستويات مختلفة. لكن، مقارنة بدول أخرى في جنوب شرق آسيا، لم تكن حالها استثنائية من حيث الفساد أو التفاوت الطبقي. وحتى مع النخبة المترفة والمنعزلة، كان هناك كثير من الأشخاص الذين تعلَّم الصحافيون احترامهم، أو حتى صداقتهم.

الجيش الفيتنامي الجنوبي (ARVN) في نهاية المطاف لم يصمد أمام جيش الشمال الصلب. ومع ذلك، لم يكن جيشاً من الجبناء، بل قاتل بشجاعة في مئات المعارك الصغيرة، غالباً دون تقدير أو دعم كافٍ. كان جيشاً أرهقته الحرب الطويلة، تُرك فجأة لقتال عدو مصمم دون عتاد أميركي أو دعم جوي.

اعتمدت فيتنام الجنوبية اعتماداً كبيراً على الولايات المتحدة: دعم عسكري واقتصادي وسياسي هائل جعلها في كثير من الأحيان أقرب إلى مستعمرة أميركية. لذلك، حين بدأت واشنطن تسحب دعمها، شعرت سايغون بالخيانة. في النهاية، انتصر الجانب الأقوى، وهو الشمال الشيوعي، بدافع قومي وشيوعي لا يلين.

لكن، كما يقول الكاتب، «المنتصر ليس بالضرورة الأفضل». النظام الشيوعي في الشمال كان صارماً ومجحفاً، ولا أراه أفضل من جنوب فيتنام بكل عيوبه ونقائصه.

لا تموت الأوطان. ستستمر فيتنام الجنوبية فترة تحت حُكم جديد، ثم تندمج مع الشمال، لتصبح قوة إقليمية صاعدة. سيتكيف بعض السكان مع النظام الجديد، وسيرفضه آخرون، لكن الأجيال القادمة ستنشأ وفق مبادئه.

فيتنام الجديدة ستكون قوية وناجحة، فالتاريخ يميل إلى تمجيد القوة لا القيم. أما فيتنام الجنوبية، كما عرفتها، فقد انتهت. وهذا المقال مجرَّد نعي لذلك البلد الذي كان.

- هذا المقال كتبه كانّ، الذي كان في حينه مراسلاً لصحيفة وول ستريت جورنال مكلفاً بتغطية حرب فيتنام. وقد تولَّى لاحقاً منصب ناشر الصحيفة والرئيس التنفيذي لشركة داو جونز آند كومباني.

* بيتر آر. كان