أصبحت الهند تحت الأضواء العالمية بع أن سلم الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، رئاسة مجموعة العشرين للهند رسميا خلال القمة التي عقدت بين 15 و16 نوفمبر الماضي في جزيرة بالي الإندونيسية، وإنهاء سنتين كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حتى أنها تسلمت رئاسة منظمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر، واستضاف البلد في الشهر نفسه اجتماعاً لكبار المسؤولين من الحوار الأمني الرباعي.

لكن سبق أن شهدت الهند ظروفاً مشابهة، وأشاد العالم بأهمية دورها خلال مرحلة التحرر الاقتصادي في عهد رئيس الوزراء ناراسيمها راو (1991-1996)، والسياسة الخارجية الأكثر جرأة في عهد أتال بيهاري فاجبايي (1998-2004)، والنمو الهندي الذي كاد يفوق العشرة في المئة في أولى سنوات مانموهان سينغ (2004-2014).

جمود بيروقراطي

تعجز الهند عن مواكبة قدراتها العالمية لأن إصلاحها الاقتصادي يُعتبر أضعف حلقة في التزامات البلد الخارجية، فقد نَجَت الهند من مخالب «معدل النمو الهندوسي» في حقبة ما بعد الحرب الباردة، لكنها لم تكف عن مواجهة أعباء «المعدل الهندي لصناعة السياسة» التي تنجم عن مشاكل مثل الجمود البيروقراطي وضعف التنسيق بين مختلف الوزارات، وفي هذا السياق، لا بد من التساؤل: هل تتماشى طموحات السياسة الخارجية الهندية مع زخم الإصلاح المحلي؟

رغم الإنجازات التي حققها البلد في مجالات كثيرة، قد تطغى الضجة المحيطة بهذه التطورات على حقيقة ما يحصل، ففي قطاع أشباه الموصلات مثلاً، من المنتظر أن تنتج الهند رقائق من جيل سابق بدل إنتاج أكثر الرقائق تقدماً، إذ تواجه الهند المشاكل أيضاً لأن تصنيع الرقائق يتطلب كميات كبيرة من المياه والطاقة، لكن يبقى البلد معرّضاً للجفاف ونقص الطاقة، ومن المتوقع أن تسجّل الهند أسرع نمو عالمي في مجال توسيع وحدة الطاقة الشمسية، لكن لا تزال قدرات تصنيع تلك الطاقة محدودة محلياً، مع أن الحكومة فرضت رسوماً هائلة على هذا النوع من وحدات الطاقة وواردات الخلايا الشمسية.
Ad


على صعيد آخر، تواجه الهند مجموعة من التحديات السياسية والبنيوية، حيث يلتزم نارندرا مودي بالتحرر الاقتصادي، لكن تبقى نزعة حزبه الأيديولوجية قومية من الناحية الاقتصادية وماركسية في جوهرها، ولم تتضح بعد مدى قدرة الهند على التمسك بزخم الإصلاح بعد عهد مودي، كما يُخطط مودي لبدء ولاية ثالثة في عام 2024 (يرتفع احتمال فوزه بها)، لكن لا أحد يستطيع توقّع أي تطورات أخرى.

تفاوت اقتصادي

في غضون ذلك، لا يزال التفاوت الاقتصادي كبيراً، ففي النظام الفدرالي الهندي، لا يمكن تقييم التنمية انطلاقاً من وضع البلد ككل، بل استناداً إلى 28 ولاية منفصلة تُطبّق قوانين مختلفة في مسائل مثل العمل وحيازة الأراضي، وقد عولجت هذه الاختلافات بين المناطق جزئياً عبر تشريع مثل «ضريبة السلع والخدمات» التي تهدف إلى إنشاء سوق موحّد في الهند، كذلك، دفع التشديد المتزايد على مبدأ الفدرالية التنافسية بالولايات إلى التنافس في ما بينها على سهولة تسيير الأعمال التجارية لجذب الاستثمارات، لكن تبرز اختلافات أخرى لا يمكن تجاوزها بسهولة، كتلك القائمة بين الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي والانقسام الراسخ بين المدن والأرياف.

تمرّ الهند راهناً في مرحلة من الفرص الاستراتيجية البارزة نظراً إلى أهميتها في نقاشات عالمية أساسية، فقد اتّضح ذلك بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فحاولت الدول على طرفَي الصراع التقرب منها، وهذا الوضع يفسّر التزام الهند القديم بالاستقلالية الاستراتيجية في سياستها الخارجية، علماً أن اقتصادات ناشئة أخرى حذت حذوها ورفضت الانحياز إلى أحد طرفَي الصراع، وبدل أن يرتكز النظام العالمي الناشئ على نظام دولي ثنائي يتمحور حول العلاقات الصينية الأميركية، يبدو أنه سيكون متعدد المراكز أو الأقطاب، حيث تتمتع القوى المتوسطة والأطراف العالمية الطموحة، مثل الهند، بقوة متزايدة.

العدالة المناخية

سيكون التغير المناخي من أبرز المسائل التي تُركّز عليها مجموعة العشرين برئاسة الهند، فهي تسعى إلى التشديد على مواضيع العدالة المناخية والتمويل، ومن المنتظر أن يدعم برنامج «مهمة الحياة» الذي أطلقه مودي (أسلوب حياة خاص بالبيئة) الاقتصاد الدائري ومبدأ الاستدامة، كما يتعلق اقتراح آخر أيضاً بإنشاء تحالف دولي للوقود الحيوي، وهو يشبه دور الهند السابق في قيادة التحالف الشمسي الدولي.

كذلك، تتزامن رئاسة الهند لمجموعة العشرين مع ترؤس اليابان مجموعة السبع، مما يسمح بتحسين التعاون بين اثنتين من أهم الديموقراطيات الآسيوية في مسائل الحوكمة العالمية، وفي الوقت نفسه، تشكّل رئاسة الهند لمجموعة العشرين جزءاً من رئاسة ثلاثية تشمل إندونيسيا والهند والبرازيل، مما يعني التعبير عن توجهات الجنوب العالمي.

لكن قد تطغى الشعارات على جوهر التحركات في معظم الأحيان، وقد اتضح ذلك في حالتَين حديثاً: أُعيقت مكانة الهند التي اعتبرت نفسها «صيدلية العالم» خلال أزمة كورونا بسبب آثار متحور «دلتا» الكارثية في عام 2021، وهذا ما دفع البلد إلى وقف تصدير اللقاحات، كذلك، انهارت المزاعم القائلة إن الهند قادرة على «إطعام العالم» بعد وقف تصدير الحبوب من أوكرانيا بسبب الغزو الروسي، عندما فرضت نيودلهي حظراً على صادرات القمح. لا يزال تحوّل الهند إلى قوة عالمية في بدايته، فعلى الرغم من المزاعم القائلة إن بكين خسرت مكانتها كمحرك للنمو العالمي، لم تصبح الهند بعد في موقعٍ يسمح لها بأخذ مكان الصين (تشكّل الهند 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنةً ب18% للصين)، وفي الوقت نفسه، لا تزال سلاسل الإمدادات في وضع شائك، وستبقى الصين جهة مؤثرة في سلاسل الإمدادات العالمية وشبكات الإنتاج العابرة للحدود في المستقبل المنظور. باختصار، تقع أكبر المخاطر المطروحة على طموحات الهند العالمية داخل البلد، وفي هذا السياق، قد تستفيد الهند على الأرجح من تطبيق القواعد الصينية (قبل بدء دبلوماسية «الذئب المحارب»)، مما يعني أن تتبنى عناصر من مقاربة دنغ شياو بينغ التي تقضي بانتظار الوقت المناسب للتحرك والبقاء بعيداً عن الأضواء.

بعبارة أخرى، يجب أن تطلق الهند مواقف سلسة وتكسب نفوذاً هائلاً للحفاظ على زخم إصلاحاتها الداخلية وتسريع وتيرتها.

• شيتيغي باجبايي