«رهين المحبسين»، هو أبوالعلاء المعري، أحمد بن عبدالله بن سليمان بن محمد التنوخي، من سكّان معرّة النعمان، التابعة اليوم لمحافظة إدلب في سورية، أُطلق عليه لقب رهين المحبسين، لأن إصابته بالجدري وهو طفل تسببت في عماه، فهو رهين العمى ورهين البيت، مما أثر في حياته وفي شعوره بالوحدة والظلام الذي عاشه منذ صغره.

كان شيخاً علّامة يُصنّف في الشعر مع المتنبي والبحتري، وكان حكيماً وعالماً في اللغة، وله فيها مصنّفات وكتب كثيرة أشهرها رسالة الغفران التي رثى فيها صديقاً في قصيدة رائعة، والتي ضمّنها أشهر الحكم التي قالها وهي: «خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد».

Ad

كانت نصيحة للشاعر العباسي النابغة أبوالعلاء المعرّي دعا فيها إلى التواضع والتأني في هذه الحياة القصيرة، مذكّراً بأن هذه الأرض التي ندوسها قد لا تخلو من أجساد أقوامٍ سبقونا:

غَيْرُ مُجْدٍ فِي مِلَّتِي وَاعْتِقَادِي

نَوْحُ بَاكٍ وَلَا تَرَنُّمُ شَادِ

وَشَبِيهٌ صَوْتُ النَّعِيِّ إِذَا قِيـ

ـسَ بِصَوْتِ الْبَشِيرِ فِي كُلِّ نَادِ

أَبَكَتْ تِلْكُمُ الْحَمَامَةُ أَمْ غَنَّـ

ـتْ عَلَى فَرْعِ غُصْنِهَا الْمَيَّادِ

صَاحِ هَذِهْ قُبُورُنَا تَمْلَأُ الرُّحْـ

ـبَ فَأَيْنَ الْقُبُورُ مِنْ عَهْدِ عَادِ؟

«خَفِّفِ الْوَطْءَ مَا أَظُنُّ أَدِيمَ الْـ

أَرْضِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَجْسَادِ»

حكم وأشعار «رهين المحبسين» كثيرة ويغلب عليها التدين، والحزن، وبعض أشعاره غريبة ومثيرة للاهتمام، فهي سابقة لعصره، وسنحاول هنا أن نأتي ببعض منها، فهي كثيرة ولكنها حقاً جميلة مليئة بالعبر:

الدهر كالدهر والأيام واحدة

والناس كالناس والدنيا لمن غلبا

و:

في كل أمرك تقليدٌ رضيتَ به

حتى مقالك ربي واحدٌ أحدُ

و:

وينشأ ناشئ الفتيان منا

على ما كان عوّده أبوه

و:

فشاور العقل واترك غيره هدرا

فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي

و:

الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ

بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ

و:

ولا تطيعن قوما ما ديانتهم

إلا احتيال على أخذ الإتاوات

و:

ما لي رأيتُ دعاةَ الغَيّ ناطقَةً

والرُّشْدُ يصمُتُ خوْفَ القتلِ دَاعُوْهُ

و:

وجَدْتُكُمُ لم تَعرِفوا سُبُلَ الهدى

فلا تُوضِحوا للقَوم سُبْلَ المَهالِكِ

و:

تَعَبٌ كلُّها الحياةُ فما أعـجبُ

إلاّ مِن راغبٍ في ازديادِ

ومن أجمل ما قاله عن عماه، مؤنساً نفسه، ومواسياً إياها في مصيبته:

أحمدُ اللَّهَ على العمى

كما يحمدُهُ غيري على البصر

فما النُّورُ أنواراً

ولا الفجرُ جَدولا

ولا الشمسُ ديناراً

ولا القمرُ درهَما