بعد صراع التعريفات التجاري الدامي بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية، اشتعلت حرب تجارية في ساحة الأزياء والموضة محدثة أزمة غير متوقعة، كان بطلها هذه المرة ليس مصمماً شهيراً، بل مقاطع فيديو عبر منصة «تيك توك» الصينية، والتي بثتها شركات ومصانع متخصصة زعمت أنها من يصنع حقائب الماركات العالمية الفاخرة مع شرح تفصيلي عن كيفية طريقة التصنيع والمواد المستخدمة وتكلفة كل قطعة وتفاصيل أخرى كثيرة صعقت مقتني وزبائن تلك الماركات الشهيرة، فهناك من اعتبرها «فناً موازياً» وآخرون رأوها تهديداً صريحاً لقيمة المنتج الأصلي، وُلد جدل واسع كشف عن انقسام في الآراء، وتساؤلات مشروعة: ما الذي يميز الحقيبة الأصلية عن التقليد؟ وهل ما ننفقه من آلاف الدولارات والدنانير هو ثمن الجودة، أم ثمن الاسم التجاري؟
لم تمس هذه المقاطع فقط «بزنس» دور الأزياء، بل أعادت صياغة مفاهيم كثيرة حول قيمة السلع الحقيقية ومراجعة أسلوب الاستهلاك، فضلا عن إعادة شاملة للنظر مجددا في «الهوية» الاجتماعية والبرستيج المجتمعي الذي اعتاش معنا وعلينا.
فهل نحن أمام أزمة اقتصادية جديدة؟ أم أننا أمام عصر جديد ونقلة في إعادة تقييم «العقيدة البراندية» في المجتمع والمحيط الاجتماعي؟ السؤال: هل استطاعت الصين -في حملة واحدة- توجيه المستهلكين نحو بضائعها -المقلدة إن كانت أو الأصلية- أم أنها وجدت طريقا آخر وثغرة أخرى للتجارة وسحب المستهلكين نحوها بشكل مباشر تفاديا للخسارة.
هناك بالفعل صراع اقتصادي عميق بين قطبين: قطب الماركات الأصلية والمرتبط بالقوة الاقتصادية الغربية، وعالم السلع المقلدة -بمختلف جوداتها- والذي ارتبط لفترة طويلة بالصين.
لقد أنتج هذا الصراع حرباً نفسية قبل التجارية، فالماركات العالمية -فعلياً- لا تبيع منتجا فقط بل تبيع المستهلكين «مكانة اجتماعية»، فهذه الماركات تنفق ملايين الدولارات في حملاتها لدعم فكرتها الوهمية، التي بالفعل صدقها الناس، بينما الصين تحاول أن تستغل بيع ذات «الوهم» بسعر أرخص، وهنا «تشتغل» معركة «الإقناع» بين الأصلي والمقلد.
بل إن الصين كذلك تعمل على إعادة تعريف مفهوم «الأصلي» من خلال الحملات الدعائية التي انتشرت مؤخرا عبر المنصات الإلكترونية، «بترويجها لبيع نفس المنتج من غير لوغو/علامة»، وروّجت لمنتجاتها ولكن من زاوية تجارية ونفسية أخرى مستهدفة الطبقة المتوسطة التي ترغب في شراء المنتج بسعر معقول وبحسب الميزانية، وقد استطاعت أن تقنع الناس بأن التقليد ليس نقصا، بل هو كسر لفكرة احتكار الغرب لمفهوم الموضة والأزياء والجمال، كما أن الجمال والأزياء لا يرتبطان بماركة تجارية محددة طالما نحن نصنع ذات الموديل واللون والشكل.
طرحت الصين تساؤلات -غير مباشرة- ركزت على الهوية والاستهلاك، فهل من يلبس ماركة يعيش ذاته أم يعيش صورة رسمتها له العلامة التجارية ومحيطه الاجتماعي؟ وتركت الخيار للمستهلكين.
ما أثار استغراب الناس هو صمت الماركات عن هذه الدعايات المعادية دون أي رد أو نشر بيان ينافي ما تم تداوله.
بالقلم الأحمر:
بعد هذه الحملات وصمت الماركات يبقى السؤال: هل فعلا الأصلي تقليد؟ أم التقليد هو الأصلي؟