لا تقل أهمية الرعاية والخدمة الصحية عن أهمية خدمات الأمن والاستقرار التي تقوم بها الوزارات السيادية، مثل: وزارة الداخلية، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة الإعلام، فقد قِيل «العقل السليم في الجسم السليم»، وعملية التوازن بين الجسم والعقل والروح أمر مرغوب ومطلوب، حيث إن الإنسان هو وسيلة التنمية وهدفها.

وقد أنشأت الكويت منذ استقلالها العديد من المراكز والمرافق الصحية، إيماناً منها بأهمية الرعاية الصحية لمواطنيها والمقيمين على أرضها، واستثمرت مبالغ طائلة في هذا المجال، بل إن المستشفى الأمريكي سبق استقلال الكويت بعدة عقود.

Ad

وقد شهد القطاع الصحي نهضة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حيث أُنشئت العديد من المستشفيات والمراكز الطبية والصحية موزعة على المحافظات الخمس، كما تم افتتاح مستشفى جابر، ومستشفى الفروانية، ومستشفى الجهراء، وتمَّت توسعة مستشفى العدان، تماشياً مع زيادة عدد المحافظات وعدد السكان، كما تم أخيراً افتتاح مستشفى الولادة.

ورغم الاهتمام بكبر حجم المرافق الصحية والمستشفيات والمراكز الطبية، وتوفير الأدوية والأجهزة والمُعدات الطبية، فإن ذلك لم يواكب نفس الاهتمام بنوعية ومستوى الخدمة الصحية والرعاية الطبية المُقدَّمة والإدارة الصحية مع التطور التكنولوجي في المجال الصحي، ما أوجد نوعاً من التذمر وعدم الرضا عن مستوى وسرعة الخدمات الصحية الحكومية من قِبل المواطنين والمقيمين!

لذا يتطلَّب الأمر إعادة النظر في مفهوم الرعاية والخدمة الصحية والعلاجية المُقدَّمة للمواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة، حتى يمكن إعادة بناء الثقة بالخدمات الصحية الحكومية، خصوصاً أن نسبة كبيرة من المواطنين اتجهوا للخدمات الصحية في القطاع الخاص، بسبب بطء وسوء الإدارة الصحية، وتردي بعض الخدمات والرعاية الصحية الحكومية!

ولا يخفى على الجميع الممارسات التي قام بها بعض المواطنين للضغط على أعضاء مجلس الأمة خلال العقدين الماضيين للحصول على الخدمات والرعاية الصحية عن طريق بوابة «العلاج في الخارج»، وبطاقة «عافية»، وما نتج عن ذلك من زيادة في تكلفة العلاج بالخارج والخدمات الصحية، وسوء إدارة واستغلال في الخدمات الصحية لبطاقة «عافية»، مما أدى إلى إلغاء هذه الخدمة عن شريحة مهمة من المواطنين.

إن الأمر يتطلب تطبيق ما يُسمَّى في علم الإدارة الحديثة «إدارة الجودة الشاملة» Total Quality Management (TQM) في الخدمات الصحية بالكويت، وكذلك إعادة هيكلة Restructuring لنظام الرعاية والخدمات الصحية، إضافة إلى إعادة هندسة Reengineering إجراءات الخدمات والرعاية الصحية المُقدَّمة للمواطنين والمقيمين، بحيث يؤدي ذلك إلى تبسيط الإجراءات، وتقديم خدمة أسرع ورعاية صحية أفضل.

ويتطلب النهج الجديد تغييراً جذرياً Drastic Change في مفهوم الرعاية والخدمة الصحية، خصوصاً في عصر التحوُّل الرقمي Digital Transformation، الأمر الذي يتطلَّب مزيداً وتغييراً في نوعية البرامج التدريبية للهيئة الطبية والتمريضية والإدارية في مجال إدارة الرعاية والخدمات الصحية، بما يتوافق مع التطورات والتوجهات المستقبلية والعالمية في هذا المجال.

ومما لا شك فيه أن النهج الجديد وعملية التغيير ومرحلة الإصلاح ستواجه مقاومة شديدة من بعض أصحاب المصالح، حيث إن بقاء الأمور الحالية كما هي ومن دون تغيير سيخدم بعض المتنفذين وأصحاب المصالح الخاصة وبعض الفاسدين والمفسدين والمتنفعين من بقاء الوضع الراهن.

فهل يتحرَّك أصحاب القرار والمسؤولون بوزارة الصحة، باتخاذ الخطوات الضرورية والجادة لإعادة هيكلة الخدمات الصحية وإعادة هندسة الإجراءات الإدارية المعقدة والمعطلة لمصلحة الوطن والمواطنين والمقيمين، أم أن قوى الفساد والمصالح الخاصة ستهيمن على الوضع الصحي، ويبقى الوضع كما هو؟!

أملنا كبير أن تحظى مرحلة الإصلاح والتطوير بإعادة هيكلة وهندسة هذه التغييرات الجذرية والاستراتيجية في القطاع الصحي بأسرع وقت ممكن بما يعود بالنفع على المواطنين والمقيمين.