في وقت واصلت فرق الدفاع المدني الإيرانية عملياتها لمكافحة النيران المشتعلة في ميناء «الشهيد رجائي» بمدينة بندر عباس لليوم الثاني على التوالي، تجددت الانفجارات في موقع الحريق الضخم بالمرفأ البحري الأكبر في البلاد أمس.
وذكرت وكالة «فارس» أن الانفجارات الجديدة جاءت بفعل وصول ألسنة اللهب إلى حاويات جديدة، في حين واجهت فرق الطوارئ صعوبة في إخماد النيران، التي اتسعت رقعتها جراء الرياح القوية.
وأظهرت لقطات فيديو ألسنة النيران تلتهم العديد من الحاويات في الميناء القريب من مركز محافظة هرمزكان المطلة على الخليج، وسط تحليق مروحيات ومشاركتها في جهود الإطفاء ونقل الجرحى.
وأصدرت السلطات تعليمات بإغلاق المدارس في بندر عباس وجزيرة قشم القريبة، وطالبت السكان بالبقاء في منازلهم وارتداء الأقنعة عند الخروج للضرورة في ظل «ارتفاع سحابة دخان سام ناتجة عن احتراق مواد كيميائية كانت مخزنة بالميناء». ونقل الإعلام الرسمي عن هيئة الجمارك أن «الانفجار وقع على الأرجح بسبب تخزين مواد خطيرة ومواد كيميائية في منطقة الميناء».
نفي وتسريب
ومع انتشار تقارير عدة عن تسبب شحنة مواد من الصين كانت معدّة للاستخدام العسكري في الحادث الذي اتُّهِمت إسرائيل بالتورط فيه على الفور، سارعت السلطات الإيرانية إلى نفي وجود أي صلة عسكرية بالواقعة. وقال متحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان: «لم تكن هناك أي مواد عسكرية في الميناء».
وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع العميد رضا طلائي هو الآخر أنه «وفقاً للتحقيقات والوثائق، لم تكن أي شحنة مستوردة أو مصدرة ذات استخدام عسكري في منطقة الحريق».
وأضاف طلائي أن «القضية أثارت ضجة في وسائل الإعلام الأجنبية، لكن سيتم الإعلان عن الأسباب الرئيسية والفرعية لحادثة الانفجار بمساعدة الجهات المعنية».
جاء ذلك بعد أن نقلت «نيويورك تايمز» عن مصدر مرتبط بـ «الحرس الثوري» الإيراني، قوله إنّ الانفجار نجم عن مادة بيركلورات الصوديوم، وهي مادة تدخل في تركيبة الوقود الصلب للصواريخ.كما رجّحت شركة المخاطر البحرية البريطانية «أمبري» أن يكون الانفجار جراء «سوء التعامل مع شحنة من الوقود الصلب المخصص للاستخدام في الصواريخ البالستية الإيرانية».
وفي وقت سابق، كشفت مصادر لـ«الجريدة» أن سفينة إيرانية قامت بتفريغ شحنة من وقود الصواريخ بيركلورات الصوديوم في الميناء في مارس 2025، لكن من غير المعروف لماذا لم تقم السلطات الإيرانية بنقلها لتجنب الحادث الذي أعاد إلى الأذهان انفجار مرفأ بيروت الذي وقع عام 2020 وتسبب في مقتل نحو 200 وإصابة نحو 6000 شخص.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن شهود عيان قولهم إن الانفجار وقع بسبب حريق اندلع وامتد إلى حاويات غير مغلقة تحتوي على «مواد قابلة للاشتعال».
وأظهرت مقاطع فيديو من مكان الحادث اندلاع حريق قبل الانفجار الضخم. وأظهرت صور جوية وجود ثلاث مناطق مشتعلة على الأقل، وأكد وزير الداخلية الإيراني في وقت لاحق أن الحريق امتد من حاوية إلى أخرى.
تفخيخ ومخاوف
وغداة كشف مصدر مطلع لـ «الجريدة» أن الحادث وقع نتيجة زرع متفجرات في حاويات مجهولة، وأدى إلى الانفجار الهائل الذي سمع من مسافة لا تقل عن 10 كيلومترات، صرح النائب الإيراني محمد سراج بأن «هناك متفجرات زرعت بالحاويات إما في البلد المصدر أو بمسار النقل».
لكن المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني دعت إلى انتظار الانتهاء من عمل الخبراء اللازم وتجنّب الإدلاء بتصريحات تخمينية عن أسباب الحادث الضخم أو الانسياق وراء الشائعات، لافتة إلى إعلان حالة الحداد العام اليوم (الاثنين) في عموم البلاد.
في غضون ذلك، أصدر الرئيس مسعود بزشكيان أمراً بالتحقيق في «أسباب الفاجعة»، خلال قيامه بزيارة تفقدية للميناء، حيث أفيد بإعادة السماح للسفن بالرسو وسط تخوف من تسبب الواقعة بشل نصف قدرة الميناء الأكبر بالبلاد وإحداث خلل كبير بحركة الاقتصاد الإيراني.
من جهته، أفاد «الهلال الأحمر» بارتفاع عدد القتلى جراء الحادث إلى 40 شخصاً، مضيفاً أن 20 شخصاً لا يزالون في العناية المركزة، فضلاً عن أن 190 آخرين يرقدون بالمستشفيات، وإصابة أكثر من ألف شخص.
مساعدة وعزاء
إلى ذلك، أفادت السفارة الروسية في طهران بأن الرئيس فلاديمير بوتين أمر بإرسال عدة طائرات روسية تحمل فرق إنقاذ متخصصة إلى إيران للمشاركة في إخماد الحريق، استجابةً لطلب رسمي من الجانب الإيراني.
وأجرى بوتين اتصالاً هاتفياً بكل من المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس بزشكيان، معرباً عن «أعمق تعازيه في الخسائر في الأرواح والأضرار الجسيمة».
وأعربت عدة دول وجهات عن تضامنها مع طهران من بينها فنزويلا وتركيا والهند وباكستان والإمارات وقطر والسعودية ورابطة العالم الإسلامي.
تقدم نووي
على صعيد آخر، نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤول أميركي كبير أنه من المرجح أن تعقد الجولة الرابعة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في أوروبا خلال الأسبوعين المقبلين.
وأوضحت أن «الجولة المقبلة من المحادثات ستُعقد في أوروبا بمساعدة سلطنة عُمان. ومن المرجح أن تُعقد الجولة خلال الأسبوعين المقبلين، لكن الجانب الأميركي يحتاج إلى وقت لدراسة المعلومات والمقترحات المقدمة من الإيرانيين» في الجولة الثالثة التي عقدت في مسقط بالتزامن مع انفجار بندر عباس.