أعجبني رد الصين على إجراءات ترامب الذي رفع التعرفة الجمركية والضريبة على المنتجات الصينية، فأصدرت الصين قرارات مماثلة على البضائع الأميركية، وعلّقت تسلم 179 طائرة من شركة بوينغ، وقالت: إذا أردتم فرض الحرب علينا فجوابنا هو الحرب، وإذا كنتم تريدون تدمير الصين فسوف تدمركم الصين، وإذا كنتم تريدون قصف الصين بالأسلحة النووية فسنقوم بتدميركم بالقنابل النووية.

هذه هي الصين اليوم التي عانت منذ سنوات قليلة من الاحتلال الإنكليزي والفرنسي، وفرض مخدرات الأفيون عليها، ووحشية الاحتلال الياباني، والثورة الثقافية المدمرة، والحروب الداخلية التي أودت بحياة أكثر من خمسين مليون صيني، ولكنها اختارت اليوم أن تكون قوة اقتصادية عظمى، فبدأت بالإصلاح الاقتصادي، وفق اقتصاد السوق، إضافة إلى الاستعداد العسكري، وأصلحت التعليم، وقرّبت الأذكياء، واقتحمت بهم أسرار التكنولوجيا الحديثة، فتفوقت على الدول الصناعية الكبيرة.

Ad

وهكذا، وعلى عكس بعض الدول التي توسلت الإعفاء من الضرائب الأميركية، تمكنت الصين من الرد القوي على إجراءات ترامب، فما كان منه إلا أن طلب التفاوض وصرح بكلمات يملؤها الخوف والتراجع، فقال: «سنخفض الرسوم الجمركية على الصين بشكل كبير، وسنتعامل مع الصين بلطف».

نعم، هذه هي الصين اليوم، التي لم يكن أحد يتنازل أن يشتري منتجاتها قبل 20 عاماً، فأصبحنا نرى منتجاتها من السيارات والأجهزة الإلكترونية تغزو الأسواق الأوروبية والعالم.

وعلى عكس هذه الروح الحية في تلك البلاد التي نهضت من الركام نسمع من بعض العرب استجداء الرضا الأميركي، ووعوداً بتدفق الأموال العربية بالمليارات لخدمة الاستثمار والاقتصاد الأميركي، ونسمع من المتخاذلين مَن يحرم مقاطعة الشركات الأميركية التي تدعم الصهاينة. ولو أنهم بحثوا في أجهزتهم الذكية لعلموا مقدار ما تدفعه هذه الشركات للعصابات الصهيونية لقتل المسلمين. كما نسمع مَن يكرر الدعايات الصهيونية فيهاجم المقاومة الفلسطينية التي ضاقت بالذل والاحتلال في غزة. ونسمع مَن يطالب بالتطبيع مع الصهاينة الذين يحتلون المسجد الأقصى، ويقتلون آلاف المسلمين ويخرجونهم من ديارهم بالمخالفة لصريح القرآن الكريم.

الثورة الاقتصادية الصينية بلغت الثلاثين عاماً من عمرها فوصلت إلى ما وصلت إليه، أما دول الثورات العربية القديمة والمتكررة فأهملت الإصلاح الاقتصادي والتعليم والتكنولوجيا، كما أهملت أمر الله تعالى بالاستعداد العسكري فلم تزدد إلا تخلفاً وفقراً وخضوعاً، فصح عليها قول المتنبي:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

عدواً له ما من صداقته بد