ودّع رؤساء وأفراد من عائلات مالكة وحشود من المشيعين البابا فرانسيس، اليوم، في قداس جنائزي مهيب أقيم في ساحة القديس بطرس في روما، ودفن في كنيسة سانتا ماريا ماجوري في روما بمراسم متواضعة ليصبح أول بابا يدفن خارج أسوار الفاتيكان منذ نحو قرن.
وشارك أكثر من 55 رئيساً و10 ملوك في الجنازة بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع زعماء الأرجنتين وفرنسا والغابون وألمانيا والفلبين وبولندا ورئيسا وزراء بريطانيا ونيوزيلندا، وعدد كبير من أفراد العائلات المالكة الأوروبية، منهم ملك وملكة إسبانيا، وولي العهد في المملكة المتحدة الأمير ويليام، كما شارك العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في المراسم، وولي عهد أبوظبي، الشيخ خالد بن محمد بن زايد، والرئيس اللبناني جوزيف عون وغيرهم.
على الجانب الآخر، جلس الكرادلة الذين يتعين عليهم أن يقرروا ما إذا كان على خليفة البابا فرانسيس مواصلة مساعيه نحو كنيسة أكثر انفتاحاً أو التنازل للمحافظين الذين يريدون العودة إلى ممارسات بابوية تقليدية أكثر.
وقال الكاردينال الإيطالي جيوفاني باتيستا ري الذي ترأس قداس الجنازة، إن «البابا فرانسيس تميز بفيض من الدفء الإنساني، وحس مرهف تجاه مآسي هذا العصر، فتشارك بصدق هموم الناس وآلامهم وآمالهم في زمننا هذا».
وتوفي البابا الأرجنتيني الأصل الذي شغل كرسي البابوية 12 عاماً يوم الاثنين عن 88 عاماً إثر إصابته بسكتة دماغية.
وأشارت تقديرات الفاتيكان إلى أن أكثر من 250 ألف شخص حضروا القداس الجنائزي.
ودوى تصفيق الحشود المجتمعة بالساحة والطرق المحيطة بها عندما تحدث الكاردينال ري عن اهتمام البابا فرانسيس بالمهاجرين ودعواته المستمرة للسلام والحاجة إلى المفاوضات لإنهاء الحروب وأهمية قضايا المناخ.
كما ضجت ساحة القديس بطرس بالتصفيق من جديد في نهاية القداس عندما رُفع النعش وأماله حاملوه قليلاً حتى يتمكن المزيد من الناس من رؤيته.
وأظهرت صور جوية للفاتيكان مزيجاً من الألوان ومنها الأسود لملابس داكنة ارتداها قادة العالم والأحمر لثياب نحو 250 كاردينالاً، والأرجواني الذي ارتداه بعض الأساقفة البالغ عددهم 400 والأبيض الذي ارتداه أربعة آلاف كاهن.
ووُضع النعش في سيارة بسقف مفتوح تحركت عبر روما إلى كنيسة القديسة مريم الكبرى، بينما دقت أجراس الكنيسة في الخلفية.
وفي خروج آخر على التقاليد، سيكون البابا فرانسيس أول بابا يُدفن خارج الفاتيكان منذ ما يزيد على قرن من الزمان بعدما أبدى رغبته في أن يكون مثواه الأخير في كنيسة القديسة مريم الكبرى في روما. وجرت مراسم الدفن في خصوصية تامة.
وانطلقت السيارة التي تحمل النعش من الفاتيكان من بوابة بيروجينو، وهي مدخل جانبي على بعد أمتار قليلة من دار ضيافة سانتا مارتا حيث اختار البابا فرانسيس الإقامة، بدلاً من الشقق المزخرفة على طراز عصر النهضة في القصر البابوي.
واصطفت حشود، قدرت الشرطة أعدادها بنحو 150 ألف شخص، على طول الطريق المؤدي إلى كنيسة القديسة مريم، الذي يمتد لمسافة 5.5 كيلومترات.
ولوح البعض بلافتات، بينما ألقى آخرون بباقات من الورود باتجاه النعش، وهتفوا «يحيا البابا» و»تشاو، فرانشيسكو» (وداعاً فرانشيسكو) فيما شق الموكب طريقه حول معالم روما القديمة ومنها الكولوسيوم.
وغنت الجوقات ترانيم لاتينية ورتلت صلوات بلغات مختلفة، منها الإيطالية والإسبانية والصينية والبرتغالية والعربية، مما يعكس الانتشار العالمي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية التي يبلغ عدد أتباعها 1.4 مليار.
ناضل البابا فرانسيس، وهو أول بابا غير أوروبي منذ ما يقرب من 13 قرناً، من أجل إعادة تشكيل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، إذ انحاز إلى الفقراء والمهمشين وواجه دولاً غنية بهدف مساعدة المهاجرين. كما بذل جهوداً في مواجهة تغير المناخ.
وورد في ملخص رسمي لبابويته مكتوب باللاتينية وموضوع بجوار جثمانه «ترك فرانسيس للجميع شهادة رائعة عن الإنسانية والحياة المقدسة والأبوة العالمية».
وتصدى المتمسكون بالتقاليد لجهوده الرامية إلى جعل الكنيسة أكثر شفافية، كما لم تلق مناشداته لوضع حد للصراع والانقسامات والرأسمالية المتفشية آذاناً مصغية.
وحمل البابا رغبته في مزيد من البساطة إلى جنازته، بعد أن أعاد كتابة كتاب طقوس الجنازة المعقدة والتي كانت تستخدم سابقا.
كما آثر البابا فرانسيس التخلي عن التقليد المتبع منذ قرون بدفن الباباوات في ثلاثة توابيت متداخلة مصنوعة من خشب السرو والرصاص والبلوط. وبدلا من ذلك، وضع جثمان البابا في تابوت خشبي واحد مبطن بالزنك.
وسيكون فرانسيس أول بابا يدفن خارج الفاتيكان منذ أكثر من مئة عام.
ولن يكتب على قبره سوى كلمة «فرانسيسكوس»، وهو اسمه باللاتينية. وسيجري تثبيت نسخة من الصليب البسيط المطلي بالحديد الذي كان يضعه حول رقبته فوق شاهد القبر. وسيتحول الاهتمام الآن إلى من يخلفه.
ومن غير المرجح أن يبدأ الاجتماع السري لانتخاب البابا الجديد قبل السادس من مايو، وربما يتأخر لأيام بعد ذلك، مما يمنح الكرادلة وقتاً لعقد اجتماعات منتظمة قبل ذلك لتقييم حالة الكنيسة التي تعاني من مشاكل مالية وانقسامات أيديولوجية.