مَنْ قال إن التاريخ لا يُعيد نفسه؟ ومَنْ قال إن الديموقراطية الأميركية مُحصَّنة ضد الطموح الجامح والوجوه التي ترفض الغياب؟ ها هو دونالد ترامب، الرئيس الذي هز أركان البيت الأبيض، وصدم العالم بخطابه الناري، ولايزال، يعود من جديد، لا فقط مرشحاً لولاية ثانية، بل متنبئاً بولاية ثالثة! فهل هي نكتة سياسية، أم إنذار حقيقي لما قد يشهده العالم من انقلاب ناعم على واحدة من أعرق الديموقراطيات؟

ترامب لا يتحدَّث صُدفة. كل كلمة تخرج من فمه تُقصد بعناية، حتى إن بدت فوضوية. وعندما يلمِّح إلى أنه يستحق «ثلاث ولايات» – لأن الانتخابات الأخيرة «سُرقت منه»، وفق زعمه – فهو لا يُمازح، بل يُرسل رسالة تهز أعمدة الدستور الأميركي نفسه.

Ad

هذا ليس مجرَّد رجل طامح للعودة... هذا رجل يريد إعادة تشكيل اللعبة من أساسها!

الدستور الأميركي واضح: لا ولاية ثالثة. نقطة آخر السطر. لكن ترامب لا يعترف بالنقاط، ولا بالسطور. هو يعرف أن الجماهير التي تُصفق له، ستُصفق لكل ما يقول، مهما بلغ من خطورة، ويعرف أن الانقسام الأميركي العميق، والحرب الإعلامية الشرسة، وضياع الثقة بالمؤسسات، كلها عوامل تفتح له الطريق للعب خارج قواعد الدستور.

الخطير في الأمر، أن بعض الجماهير تراه «المنقذ»، ويرون في التعديل الدستوري مجرَّد عائق «يمكن إعادة النظر فيه».

وهنا تماماً تكمن بذور الانقلاب الهادئ، تحت راية «الإرادة الشعبية».

أميركا اليوم لا تواجه فقط خصماً سياسياً، بل مواجهة شرسة مع فكرة «التشبُّث بالكرسي»، مع عقلية ترى أن الدولة تُدار بالهتاف، لا بالدستور.

إن قبول فكرة «ولاية ثالثة» لترامب – حتى وإن كانت على سبيل المزاح أو التحريض – يضع الديموقراطية الأميركية على المحك. فهل نحن أمام عودة رجل، أم سقوط نظام؟

هل سيُكتب في التاريخ أن أقوى ديموقراطيات العالم فشلت أمام رجل واحد، بصوت مرتفع، وجماهير غاضبة، وتغريدة متمردة؟ أم ستصمد أميركا، كما صمدت في وجه حروب ومؤامرات، وتثبت للعالم أن القانون فوق الجميع... حتى ترامب نفسه؟

الجواب قادم، لكن المؤكد الآن أن المرحلة القادمة لن تكون عادية، ولن تمرَّ بهدوء.