مع بدء التقارب الإيراني- السعودي استعرت حملة مفاجئة ضد إيران وضد الشيعة والفرس بوجه خاص.
ربما تكون خلف الحسابات الوهمية التي تولت الردح والشتم في إيران والشيعة، ربما تكون خلفها جهات أجنبية تحاول شحن الأجواء وإبقاء التوتر وعدم الثقة قائمين بين الأطراف العربية وإيران. ربما يكون الأمر كذلك... ولكن لا أعتقد أن الجهات المعادية لجهود الأمن والسلام في المنطقة تعول بهذه الكثافة والثقة على الذباب الإلكتروني.
ربما كان الأمر كذلك، ولكني أعتقد أن العامل الحاسم هنا هو التراث والتلقين الذي تلقته بعض الجماعات المتطرفة والمتخلفة التي بشكل عام تكفِّر المختلف والغير، أياً كان اعتقاده، والشيعة هم أكثر «الغير» تعرضاً لتكفير وتشهير هذه الجماعات.
لكن أياً كان الأمر فإن التقارب الإيراني- السعودي هو انتصار للسلام، ومكسب لأمن واستقرار المنطقة، والمطلوب من بقية الأطراف العربية دعمه وتأييده. والمثلج للصدر هنا أن هذا التقارب رافقه ما يمكن الإشارة إليه على أنه تسامح عراقي مع الكويت في موضوع الحدود، حيث طعنت الحكومة العراقية في حكم المحكمة الدستورية العراقية الذي وضع عصا في دولاب حل المشكلة الحدودية بين البلدين.
هذا يعني أن قادة المنطقة على وعي بالتحديات، ولديهم الاستعداد لتناسي الخلافات وطي صفحة الخلافات السابقة التي كانت تسبب تواصل التوتر والتأزيم بين ضفتَي «الخليج».
ليس هناك خلاف حقيقي بين العرب وإيران، بل هناك توجس ورهبة يغذيهما التطرف ورغبة البعض في تصفية وإنهاء الآخر، لهذا لنتعلم أن نتعايش مع بعضنا، وأن نتعايش مع الغير أيضاً، ولنضع صفحة الخلاف «الوهمي» أو الصراع المذهبي القائم أساساً على روايات ملفقة والمستند إلى الانتصار لشخصيات لم يثبت التاريخ وجودها أصلاً، ومع هذا يتقاتل بعض المنتسبين للمذهبين الشيعي والسني حولها.
وربما يكون هذا التقارب دافعاً وفاتحة خير للنظر في التاريخ «المروي» الديني وغربلته، فعلى الطريقة العربية 99% من أسباب الصراع المذهبي مزورة، أو هي تتنافى مع المنطق، وليس هناك أدلة تاريخية أو أركيولوجية تثبت حقيقته، فكل ما لدينا ينحصر في قال فلان وعن فلتان... بينما لا فلان ولا فلتان أصلاً له وجود.