وصف السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، النهج الذي تتبناه عمان بقوله: «أبتعدُ تماماً عن سياسة المظاهر، والأصداء الرنّانة، ولا أسعى من وراء ما أعمل إلى خطف بريق، وسياستنا الخارجية تتلخّص في الحياد، وعدم التدخّل مطلقاً في شؤون الآخرين».
بهذه العبارة كسبت سلطنة عمّان ثقة العالم، واليوم العهد يتجدد مع جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد الذي يستكمل تلك المسيرة الخالدة في تكريس مبادئ السلام العالمي في المنطقة عبر استضافتها للمحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية إيران الإسلامية بهدف تجنيب المنطقة حرباً لا يعرف مداها إلا الله.
هذا الموقف العماني تدعمه دول مجلس التعاون الخليجي عبر رسائل واضحة وداعمة لإحلال السلام للتوصل إلى اتفاق يبعد شبح الحرب عن المنطقة، والذي لا ينفك الكيان الصهيوني يدفع إليها بأي ثمن منذ إعلان النتن ياهو حرب القيامة بعد أحداث السابع من أكتوبر، وهذا ما كشف عنه الرئيس الأميركي ترامب في تصريحه الأخير.
تسمية ما بعد السابع من أكتوبر أثار جدلاً واسعاً، حيث اعتبره البعض بداية الشرارة ومحاولة لإضفاء طابع ديني تبشيري يُعزز الخطاب الذي يصور الحرب على القطاع كمعركة وجودية بين الخير والشر مبرراً قتل الأطفال والنساء والشباب والشيوخ كدلالة توراتية، وربما تشير إلى معركة «هرمجدون»، التي تُعتبر في المفهوم الديني اليهودي معركة نهاية العالم ونزول الرب لنصرة بني إسرائيل.
هذا الفكرة تتوافق مع ما يعتقد فيه مريدو مذهب الإنجيليين المسيحيين الأكثر تشدداً وموالاة للصهيونية وهم يعرفون أيضاً بالصهيونية المسيحية، والتي تتركز بشكل كبير في الولايات المتحدة، وهناك مجموعة من الرؤساء الأميركيين السابقين يتبنون هذا المعتقد، إلا أن الرئيس ترامب ورغم تبنيه للكثير من المواقف السياسية والاقتصادية والعسكرية الداعمة لإسرائيل، وإعلان تعاطفه مع عائلات الأسرى الإسرائيليين بأكثر من مناسبة بوصفه ما حدث لهم بالعمل النازي، فضلاً عن أنه لم يبدِ أي تعاطف ولو بكلمة عما تقوم به إسرائيل من حرب إبادة جماعية لسكان قطاع غزة، لكنه ومع ذلك لم يعرف عنه بأنه ينتمي لهذا المكون المسيحي المتشدد.
على ضوء ما تقدم ومع تعدد الآراء حول إمكانية نجاح محادثات السلام الإيرانية ــ الأميركية فإن هناك من يراهن على فشل المفاوضات لأن الدول الراعية للاتفاق النووي السابق غابت عن هذه المفاوضات، وأن الرئيس ترامب قد مزق الاتفاق النووي السابق بنفسه، وهناك من يشير إلى إمكانية نجاح هذه المحادثات لتفضي إلى نقاشات مباشرة تنتهي بمعاهدة يرتضيها الطرفان.
من المتوقع أن جمهورية إيران الإسلامية سوف توافق على عدم إنتاج القنبلة الذرية كما هو معلن لأسباب دينية يتبناها المرشد، وهو ما يريد أن يصوره الرئيس ترامب على أنه انتصار يحسب له وأن إيران قد خضعت لمطالبه، أما عن بقية الملفات الأخرى خاصة في شأن التعاون الاقتصادي فهو يرحب وليس لديه مانع، وكذلك الإيرانيون.
من الطبيعي أن نسمع من هنا وهناك بأن هذا الطرف أو ذاك قد قدم تنازلات قبل وأثناء المحادثات، لذلك التزم الطرفان بالقليل من التصريحات والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت التي ستغير مسار الحرب إلى مسار سلام، وقد تجبر واشنطن حينذاك إسرائيل إلى القبول بشروط السلام، ولكون مشروع الرئيس الأميركي اقتصادياً صرفاً وهو يدرك خطورة تبعات الحرب، وأن الصين ستستغل الفرصة لضرب الاقتصاد الأميركي في مقتل.
نقطة أخيرة موقف الكويت المشرف والعقلاني قد أعلنت عنه وزارة الخارجية الكويتية التي أعربت عن ترحيبها بالمحادثات، وعن أملها في أن تسهم هذه المحادثات في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في المنطقة لمعرفتها بتبعات التوصل إلى اتفاق سلام شامل وعادل يعود بالنفع على الجميع بما يمكّن دول المنطقة من مواصلة تحقيق رؤاها الوطنية ورفاهية شعوبها.
ودمتم سالمين