• كيف تَصفين علاقتكِ بالشعر؟ وهل كان خياركِ له واعياً، أم أنه وجدكِ فجأة؟
- الشعر عندي هو الصوت الداخلي الخارجي، الذي يتوَّحد بالحقيقة، ليفتح نوافذ فنية جمالية حسية عن الذات والزمن والوجود عموماً، وينبثق من الروح والجسد في سياقات علائقية تسعفني عن كسر صمتي وتأملي وتفكيري، لتكون السطوة الشعرية بوعي ناضج على مهلٍ بالتدريب عبر الزمن، تلك لذة التفاعل على البساط المشتهى «الشعر».
• ما قصة تأسيس منتدى الفينيق للمبدعين؟ وما الرسالة التي يسعى إلى تحقيقها؟
- منتدى الفينيق للمبدعين هو المشروع الذي حلمت به وأراقبه، وهو يكبر عاماً بعد عام، أسسته قبل سبع سنوات، مبادرة فردية مساهمة مني في الحراك الثقافي التونسي.
كبر المنتدى مع كل عام ببرامجه المتنوعة، لينحت صداه، محلياً وعربياً ودولياً، ويحظى بالدعم اللوجستي خاصة، وأحياناً المالي من وزارة الثقافة التونسية. نشاطاتي في دور الثقافة بالعاصمة مثال الفضاء المتسرمد تاريخياً الطاهر الحداد، دار الثقافة ابن خلدون المغاربية، صوفونيسبا قرطاج وسيدي بوسعيد، وتندرج ضمن فعاليات المنتدى تظاهرة شعرية عربية دولية بعنوان «الشعر يعلو»، تتضمَّن قراءات شعرية وندوات فكرية وفلسفية، وقد منحتُ كل دورة اسم شاعر من الدولة المستضافة، تحقيقاً لأهداف المنتدى النبيلة، التي هي بالأساس ضم الشعراء وإعلاء صوت القصيدة في زمن كل ما حولنا فيه يتراقص كالنار، اجتماعياً وسياسياً، وغيرها من الأمور الحياتية التي لا يورق منها غير الفرار.
• هل تواجهين صعوبات معينة في إدارة المنتدى؟ وكيف تتعاملين معها؟
- لا أواجه صعوبات في رئاسة والإشراف على المنتدى، وإن وُجِدت، فأنا أذللها لأواصل. أتبع أسلوباً أو لنقل منهج «ثيودور أدورنو» في منعرجه الخطي نحو تحقيق كل ما هو جمالي استيطيقي بخطوات مدروسة متأنية من أجل الإضافة والتميز، فسلطتُ الضوء على إصدارات أدبية لقامات أدبية في المشهد التونسي والعربي والعالمي، استضفت العديد من الشعراء ممن لهم بصمتهم اللافتة.
بفضل برامج متجددة ثرية، وبأحكام ذوقية تليق بضيوف المنتدى ورواده، حققت بمبادرة فردية ما أصبو إليه، وهو أن يصبح المرآة العاكسة للثقافة التونسية خارج الوطن، بتعزيزه العلاقات الدولية بين الدول وتعميقها ثقافياً، مثلاً شراكتي مع السفارات المعتمدة في تونس على غرار سفارة إندونيسيا، وتنسيقي مع سفيرها زهيري مصراوي، وما قدَّمناه كان بانوراما متنوعة من الأنشطة الثقافية: شعر، مداخلات فكرية، فنون تشكيلية، موسيقى، رقص، وعروض أزياء أشادت بها الصحف في البلدين.
• كيف ترين دور المثقف والشاعر في زمن التحولات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها تونس؟
- أزمة الثقافة سؤال فيه الكثير من الإيحاء في وطننا العربي عموماً، وفي تونس أيضاً. شأن الثقافة، كشأن الكرامة المسجاة، التي لا يقدر أن ينتصر لها إلا بمشقة، أو بعد موت... الثقافة تم إخصاؤها وإخصاء الخطاب الثقافي فيها، فجوة تزداد اتساعاً، ما بين المثقف التنويري، القلم الذي صار يغرر به، والفاقد لمصداقيته، تماماً كالخطاب الإعلامي الخالي من كل تلك الشرعية والمصداقية، تغيبب، وعبثية وأزمة وعي وحالات من فوضى، وتعرية من كل فكر بنَّاء وإرادة هادفة للتغيير. المثقف بات صنماً مثقوباً، لا يملك من أمره شيئاً، أصبح المحبَط، القاطن بين فكي كماشة... الضغط النفسي من التأثيرات الاجتماعية، والسياسية بما يشهده في سياق الصمت الرهيب عن العنف الذي بلغ ذروته بين الاحتلال والمقاومة، ليصبح عنفاً يستهدف المواثيق الدولية، ويتهدَّد جدوى النظام الدولي.
• هل تعتقدين أن الشعر لا يزال قادراً على التأثير في الوعي الجمعي، أم أنه أصبح حكراً على النخبة؟
- ثقافة الشاعر تكون عادة منفتحة على الشعر والتراث والأديان والراهن وغيرها من الحقول المعرفية التي ترفد تجربته الإبداعية التي يحاول بها التأثير في الوعي الجمعي، كما كان المأمول من الشعر «محاولة التغيير»، لكن لم يعد للأسف الشعر قادراً على أن يُغيِّر، رغم أنه في الواقع على ارتباط متين بالعناصر النموذجية المتعلقة بذاتيته الاجتماعية، فنراه مهما انشغل على الكائن ونظّر إلى الجانب الإيتيقي فيه استناداً إلى مبدأ التعاقد القرائي، لكننا في زمن الديستوبيا والتمزق والعزوف عن القراءة عموماً، والشعر خصوصاً، بقلة عدد الحضور في الملتقيات الشعرية، إلا من نخبة تؤمن بدور المعنى وسحر الكلمة، وأنا أتمنى كشاعرة ورئيسة منتدى أدبي أن يكون الحضور في الملتقيات الشعرية كما الحضور لمشاهدة مباراة رياضية أو عرض مسرحي، لكن الزمن غارق في ماديته، والشاعر كما المثقف عموماً، يواجه تهميشاً، حتى صار بطلاً إشكالياً على حد القول اللوكاتشي، أي أنه صار مبتوراً عن دوره، يفتقد تقدير الآخرين، غير مؤمن بكلمته وبقيمته، وهنا أستدل بقول الفيلسوف المجري جورج لوكاتشي: «لا يمكن للإنسان أن يفصح عن جوهره إلا عندما يصبح فاعلاً مهماً مهما كانت التصورات الخاطئة».
• برأيكِ، ما أبرز التحديات التي تواجه المبدع التونسي اليوم؟
- تحديات عديدة تواجه الشاعر أو المبدع عموماً، وليس التونسي فقط، فهو صفيّ من أصفياء الله مزاجه من بلور، يستنزف كل جهوده ويحترق من أجل مشروعه الإبداعي منافسة مع الذات، ليتجاوز مع كل إصدار جديد إنجازاته السابقة، يحاول الموازنة بين حياته الأسرية والمهنية، فالوقت إدارته صعبة، والطاقة بين الكتابة والحياة الشخصية تسبِّب القلق الدائم، وتستوجب تفهم الآخرين لجانبه النفسي في عمله المستقل، أو نزوعه إلى الوحدة، وأزيد عمَّا قلت التحدي العملي، حيث لا يحصل على دعم كافٍ من الكتابة والشعر، فالشاعر يتقاضى ما لا ترتضيه الطير من فتات، أيضاً السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يحافظ الكاتب المبدع على حقوقه في النشر بهذا الزمن الرقمي، وكيف يجد حلولاً لاسترداع مكانة الشعر في زمن اللاشعر؟!
• كيف توازنين بين كونكِ شاعرةً ومسؤولةً عن منتدى ثقافي؟ وهل يؤثر أحد الجانبين على الآخر؟
- شاكرة للتحديات، إن وجدت، فأستمتع بالحياة وهواياتي، أوزِّع مهامي بحُسن توزيع وتنظيم مُحكم للأوقات وفق الأولويات، فلا يؤثر أحدهما على الآخر.
• هل هناك أعمال جديدة أو مشروعات إبداعية قادمة تُعلنين عنها؟
- روايتي الثانية سترى النور قريباً، بعد روايتي البكر (مرايا نوران)، التي حققت نجاحاً كبيراً، وأشاد بها القراء والنقاد.