الأحداث المتسارعة أخيراً، التي شهدت موجة اضطرابات عاشتها الأسواق المالية في العالم والهزات في أسعار النفط، وانعكاسها على سلة بعض العملات، والتصعيد الاقتصادي بين واشنطن وبكين، إثر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض الرسوم الجمركية، وتعليقها، ما عدا الصين، كُلها تتجه نحو إعلان عالم جديد تُرسم حدوده الاقتصادية وسط ترقب بحذر عمَّا ستسفر عنه الأيام القادمة من مخاض عسير مع حملات التصعيد من الجانبين، وانعكاسه الكبير على العديد من الدول.

والمتابع لهذه الأوضاع ينظر لها من عدة زوايا، لم تأتِ من فراغ أو سرعة اتخاذ قرار أو عملية طيش، كما يعتبرها البعض، بقدر ما تحمل معها عدة رسائل نحو المتغيِّرات القادمة، التي قد تقودنا إلى عالم جديد يحمل في طياته العديد من المفاجآت غير المتوقعة، اقتصادياً وسياسياً، ومدى امتداده لمنطقتنا الحافلة بالعديد من الأحداث التي قد تتطاير نيرانها ما بين لحظة وأخرى، بسبب الصراع الدائر لفرض القوة والسيطرة وتمرير الأجندات، التي يدور عنوانها حول متغيِّر مستقبلي تلامس حدوده كيان بعض الدول، ويستقر في طياته تنفيذ المخططات بوضع اليد، حتى لا يتمكن مَنْ يرى نفسه قادراً على الاعتراض من استعراض نفوذه وقوته.

Ad

ورغم كل هذه الأمور التي شكَّلت عامل إحباط، رغم المتنفس من تعليق الرئيس الأميركي للرسوم الجمركية، بعد توصل العديد من الدول للتفاوض، فإن هناك من المختصصين والمحللين مَنْ يجد أننا أمام مرحلة قد تكون أشد قسوة، وقد يطول ضررها اقتصاد بعض الدول التي أصبحت في محيط الالتزامات المفروضة عليها من واشنطن، مع التحدي الكبير الذي تمارسه الصين في مواجهة صريحة مع الولايات المتحدة والتصعيد كلما كان الأول يرفع من قيمة الرسوم دون أن تبالي لأي معطيات أخرى، كونها قادرة اقتصادياً على المواجهة، خصوصاً مع حلفائها الروس الذين يدعمونها.

العالم أمام مفترق طُرق ما لم تهدأ الأمور، وتستقر الأوضاع، وتُعاد الثقة للأسواق العالمية التي تكبَّدت العديد من الخسائر. ومَنْ يرى أن ما يحدث عبارة عن فوضى، فهو لا يعير الاهتمام لعقلية مَنْ يديرون المشهد خلف الستار، ورؤيتهم التي وضعت العالم أمام مساحة مفتوحة من الاحتمالات، في ظل التحالفات التي تعقد صفقاتها في الخفاء أكثر من العلن، فالتهور الذي يُمارس ليس من باب الصدفة، بقدر ما يمثله من رسائل بأن القادم يحمل معه معايير مختلفة، وأجندات بصورة غير مسبوقة، وحواراً قد لا يتوافق مع التوجهات الدبلوماسية بقدر فرض القوة.

وبالتالي، فإن التعامل مع هذه المعطيات يحتاج إلى قرارات جريئة في مواكبة مختلف السيناريوهات والاستعداد، حتى لا تقع الفأس بالرأس، خصوصاً للدول التي يواجه اقتصادها انهياراً عند أبسط الهزات، والأحداث السابقة خير دليل وبرهان، منها الأزمة المالية العالمية عام 2008، التي لاتزال تدفع ثمنها بعض الدول حتى الآن، فضلاً عن أزمة كورونا، وانعكاساتها على مختلف الأوضاع الاقتصادية، وغيرها من الأحداث الطارئة التي يجد البعض نفسه في دوامتها فجأة.

آخر السطر:

الكل ينتظر ويترقب الساحة العالمية وارتداداتها اقتصادياً وسياسياً.