في الكويت، نسأل كثيراً: «متى نعود للبطولات؟»، لكن يبدو أن السؤال الأهم الذي ننساه هو: «متى نعود للمدرجات؟».

فالبطولة قد تأتي بضربة حظ أو بفريق استثنائي، أما المدرجات فهي مقياس الحياة ونبض الرياضة الحقيقي، ودليل أن هناك جمهوراً يرى، ويشجع، ويغضب، ويصفّق، لا فقط يكتب «هاردلك» و«أهم شي المستوى» في تويتر!

Ad

مشكلتنا أن الملاعب صارت شبه خاوية في أحيان كثيرة وخاوية تماماً في أحيان أكثر، والجمهور يشاهد من خلف الشاشة، أو لا يشاهد أصلاً، فلم يعد هناك ذلك الحماس الذي كنا نراه، ولا الهتافات التي تهز الملعب وتُرهق الحكم، ولا حتى ذلك المشجع الذي يأتي مبكراً ليحجز أفضل مقعد ويتجادل مع رجل الأمن حول «بطل ماي»!

كأننا صرنا نلعب في ملاعب تدريب، أصوات اللاعبين وتوجيهات المدربين أوضح من صوت المذيع الداخلي، والمدرجات خالية إلا من رجال الأمن، والمصور، واثنين من أولياء الأمور! ثم نسأل: لماذا لا نتأهل؟ لماذا لا نفوز؟ الإجابة ربما تبدأ من هناك... من الكراسي الفارغة التي لم تعد تهتز فرحاً أو تغلي غضباً.

والغريب أن الغياب لم يعد مقتصراً على الفرق المتعثرة ولن أقول «الصغيرة» لأن حتى تلك كانت لها جماهير تحضر وتحركها، بل طال حتى الأندية الكبيرة، صاحبة الإنجازات والتاريخ، التي كان حضور جماهيرها قديماً يدهش الموسم بأكمله، حتى في مواجهاتها أمام فرق من الصف الأخير. اليوم، بالكاد يغطي الحضور الجماهيري ربع أو نصف المدرج حتى في أهم المهمات الخارجية، رغم توحيد روابط الأندية وتشجيعها المشترك، وكأن الجمهور دخل هو الآخر في «مرحلة إعادة بناء».

قد يقول البعض: «المدرجات فاضية لأن ما في بطولات»، لكن الحقيقة أن العلاقة صارت معكوسة. نحن بحاجة لعودة الجمهور أولاً، فهو الوقود، والضجيج الجميل الذي يُحرّك اللاعبين والإداريين والحكام وحتى موظف بيع العصائر خارج البوابة.

ويظن هذا البعض أن الرياضة بشكل عام لا كرة القدم خصوصاً تبحث عن طريق العودة إلى البطولات، بينما الحقيقة المُرّة التي لا يريد أحد قولها هي أننا بحاجة أولاً إلى عودة الجماهير التي هجرت المدرجات، ليس فقط لأن فرقها تخسر، بل لأنها لم تعد تجد ما يستحق التصفيق.

أما أسباب الغياب فهي عديدة أبرزها تراجع المستوى، مروراً بالملل من النتائج، وغياب النجوم، وضعف التغطية، وانتهاءً «بالاحتراف الورقي والجزئي» الذي يجعل من اللاعب المحلي نجماً في مواقع التواصل الاجتماعي ومختفياً في الملعب.

ولعلنا يجب أن نعترف بأننا أصبحنا نعيش اليوم عصراً رياضياً يرفع شعار: «التفاعل الرقمي أهم من الحضور الفعلي». تفتح حساب ناديك فتجده يبارك، ويعد، ويعدّل التشكيلة، لكن على المدرج... الكراسي تئن من الوحدة، وأصوات اللاعبين تسمع أوضح من صوت المذيع الداخلي.

والأسوأ من ذلك؟ أن بعض الإدارات اعتادت على غياب الجمهور، وصرنا نرى مباريات تقام وكأنها بروفة تدريبية، أو جلسة ودية بين أصدقاء، بلا ضغط جماهيري ولا رهبة خسارة.

في النهاية، إن كنا نطمح فعلًا للعودة إلى البطولات، فعلينا أولاً أن نُعيد الجمهور إلى قلب اللعبة...كل لعبة، لا فقط عبر دعوات خجولة في الإعلانات، بل بجعلهم شركاء حقيقيين في المشهد.

بنلتي

الجمهور اللي كان تارس المدرجات واللي كان يجهز الأعلام ويهتف من قلبه من قبل المباراة، صار اليوم يتابع النتيجة في آخر الليل ويعلّق: «ما توقعتهم يخسرون بهالشكل»، والجهات المسؤولة في سبات بعدين يطلع هذا المسؤول أو ذاك في لقاء تلفزيوني ليقول بثقة: «نحن في الطريق الصحيح»، وما ندري إن كان يقصد الطريق إلى الملعب ولا إلى أقرب مقهى فيه شاشات عرض!