بعدما أسفرت الصهيونية العالمية عن وجهها البذيء، وعن أطماعها التي لا تنتهي، وفي ظل تصفية عرقية غير مسبوقة على أرض غزة الطاهرة، وبعدما غرست قوى الاحتلال أنيابها القذرة في خاصرة سورية الجريحة، ساعية بمؤامراتها الدنيئة إلى تأجيج الحرب الطائفية بين أبناء الشعب الواحد، لم يعد أمامنا ـ نحن السوريين بكل مكوناتنا- من مفر سوى استجماع القوى، ولملمة الأوراق، ونبذ خلافاتنا جانباً، والتداعي إلى الوحدة من أجل إفساد مخطط الشر الصهيوني الذي يُراد بنا جهرةً وأمام أعيننا، موقنين بأن التعامل مع الاحتلال بمنطق حسن الجوار أو احترام المواثيق لم يعد سوى بضاعة كاسدة، ونهج قديم لا يناسب هذا العصر الدموي الوحشي، الذي تجيد إسرائيل العمل فيه وتجد لها على الشر أعواناً.
وعليه أدعو أبناء سورية الأحرار، أولئك الذين سطروا بدمائهم سجلاً من البطولات لا ينسى على مر الزمان، أولئك الذين أزالوا حاجز الخوف من قلوبهم، وأزاحوا حكم الطاغية بشار الأسد الذي ما كان ليتزحزح لولا صمودهم وإصرارهم وإيمانهم بربهم، أدعوهم إلى التوقف ملياً أمام هذه اللحظات الفارقة من عمر أمتنا العربية عامة والسورية خاصة، ليكونوا يداً واحدة للتصدي لكل أنواع الانتهاكات الصهيونية الآثمة، ولمثيري النعرات الطائفية، مؤمنين بأن الوحدة الوطنية لم تعد خياراً، بل أصبحت ضرورة مصيرية، فهي الحصن الحصين الذي نحتمي به في وجه المؤامرات الخارجية، والأساس المتين لبناء موقف داخلي صلب يُفشل محاولات التفرقة والإضعاف.
تلك الوحدة التي ننادي بها ونتطلع إليها يجب أن تشمل كل مكونات الشعب السوري، مع التسامي فوق الطائفية والتحزب للوقوف سداً منيعاً في وجه هذا الطوفان الأعمى الذي لا يميز بين مواطن وآخر، ففي النهاية كلنا أبناء هذا الوطن الذي يجب أن ينضوي تحت لوائه كل مَن آمن بأن الأرض كرامة، والسيادة شرف لا يُساوَم عليه، عاملين على تحصين جبهتنا الداخلية، بزرع الثقة بدلاً من الريبة، وقطع دابر الطائفية التي زرعها طغاة آل الأسد، كأشواك في قلب الوطن.
إن شعبنا الذي واجه الطغيان بصدور عارية وإرادة لا تلين، مدعو أيضاً لينبذ الفرقة والتشرذم، وليكون إعصاراً من نار في وجه مَن يحاول تمزيق راية الوطن ووحدته، فلنكن كما كنا دوماً رجالاً يصمدون في المحن، على يقين بأن نصر الله للمؤمنين ذوي العقيدة، وللشجعان الوطنيين ذوي الإرادة، لدحر أولئك الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فلنكن نحن سوط العذاب الذي يصبه الله عليهم، لنخلِّص بلادنا من شرورهم ونبني وطناً للجميع، فالحروب الطائفية عبر التاريخ شاهدة على أن الوطن هو الخاسر الأكبر.
غير أن هذا التصدي للطائفية الذي ندعو إليه، ونحذر من غيابه لا يمكن له أن يكتمل أو يؤتي أكله دون أن نتجمع كلنا تحت لواء قيادتنا الجديدة غير عاجلين ولا ضاغطين ولا ساخطين عليها، فما هدم على مدار عقود لا يمكن بناؤه في غضون فترة لا تجاوز أشهراً معدودات منذ قدوم الرئيس أحمد الشرع، وليضع كل منا ثقته ودعمه وسعيه الحثيث لمحاولة طي صفحة الطاغية العبثية، محاولاً ما وسعته المحاولة وجاهداً ما قدر الله له أن يجتهد، من أجل مساندة هذه القيادة الوطنية التي هي منا ونحن منها، وبالسعي سنبلغ ما نريد، ومادام هذا الشعب قد أراد، فحق على الله نصر المؤمنين.