منذ تولِّي الرئيس دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة وهو يتصرَّف على قرار المثل الإنكليزي «أنت الملك، فتصرَّف كملك»، بسبب إدراكه للصلاحيات التي خوَّلها له الدستور، وللنفوذ والتفوق الاقتصادي والعسكري الكبير، فهل يستطيع قيادتها كما قاد الملك ريتشارد قلب الأسد بريطانيا، أم ستكون نهايته كنهاية نابليون بونابرت، الذي جسَّد معنى أنت إمبراطور، فتصرَّف كإمبراطور، رغم نفيه إلى جزيرة إلبا، وانهيار سُلطته خلال مئة يوم عند عودته لفرنسا؟
هذه الشخصية النرجسية التي يتصف بها ترامب جعلته يتخذ قرارات صعبة، وقد تبدو مُقنعة للوهلة الأولى، وأن بمقدوره إقناع الشعب الأميركي بتجاوز تبعاتها والتعافي منها في فترة قصيرة، لكن الردود جاءت بذات السرعة والحدة من الدول الصناعية الكبرى، وفي مقدمتها الصين.
رغم أن الكثير من الدول اتخذت إجراءات مُحابية لأميركا، ومنها الكيان الصهيوني، بإلغاء الضريبة الجمركية على البضائع الأميركية، وهناك دول أخرى تُفاوض للحصول على معادلة جمركية يوافق عليها الرئيس ترامب، فإنه، وفي خطوة غير متوقعة، قرَّر تعليق القرار لمدة 90 يوماً.
ترامب، ومنذ توليه إدارة البيت الأبيض، وهو يتصرَّف بالفعل وكأنه الملك، فتارةً يتصرَّف كأنه رجل السَّلام، وتارةً يتعامل بفوقية وصلافة، وتارةً أخرى يهدِّد بالحرب المفتوحة إن لم يذعن العالم لطلباته وإملاءاته.
في ظل تلك التوترات والفوضى الاقتصادية المتصاعدة، فإن ترامب لم ينسَ إيران، ولو للحظة، فهو يضعها نصب عينيه، ويعد العدة لمواجهتها عسكرياً دون أن يحسب لتداعيات تلك الحرب التي قد تهز منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، غير مبالٍ بالرد الإيراني، ولا باحتمالات أن تتحوَّل إلى حرب عالمية شاملة، وقد تؤدي إلى إعادة تشكيل جغرافيا المنطقة برمتها.
في حالة نشوب تلك الحرب، فإن تداعياتها ستكون كارثية على المستويين الاقتصادي والأمني، وقد تقود إلى كوارث إنسانية وبيئية ستكون الأكبر في تاريخ البشرية.
من الواضح أن إسرائيل تدفع بالولايات المتحدة الأميركية للحرب، ومن المُسلَّمات أنها لم تعد قادرة على تحقيق أمنها القومي في المعطيات على الأرض دون أن تدفع بأميركا إلى إعلان الحرب مع إيران، لشعورها بالخوف والهلع والضعف، بعد انكشاف قُبتها الحديدية وأسطورة جيشها الذي لا يُهزم منذ أحداث السابع من أكتوبر.
إسرائيل تدفع بأميركا لدخول تلك الحرب، من دون أن تحسب أي حساب لتداعياتها على المستوى الاقتصادي والأمني والإنساني والبيئي على المنطقة، وفي حالة فشلها بهذا المسعى فقد تعمل على افتعالها، لكونها فرصة قد لا تتكرر في إعادة خريطة المنطقة، ولضمان تفوقها لعقود قادمة من الزمن، وهنا لا أقصد مطالبتها بإخلاء سكان غزة أو التطبيع، بل أقصد ضم أجزاء كبيرة من الأراضي العربية إلى خريطتها.
المحصلة:
اندلاع الحرب بين إيران والولايات المتحدة لن يكون مجرَّد صراع بين دولتين، بل سيكون زلزالاً جيوسياسياً قد يُعيد تشكيل خريطة المنطقة، وكارثياً على المستويات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والإنسانية، والبيئية على الإقليم والعالم بأسره، وقد تكون انطلاقاً لشرارة الحرب العالمية الثالثة، ما لم يتم احتواء الأزمة من خلال حلول دبلوماسية تُوقف الانزلاق نحو مواجهة لا رابح فيها إلا الصهاينة، فهل تنجح سلطنة عمان بذلك، أم يظل ترامب قلب الأسد يتصرَّف كملك؟
ودمتم سالمين.