لديّ الكثير من ردود الفعل تجاه تراجع الرئيس دونالد ترامب إلى حد كبير عن خطته المجنونة لفرض رسوم جمركية على العالم، لكن هناك ردة فعل واحدة لا تفارقني: إذا وظّفت مهرجين، فلا تفاجأ إن أصبح المشهد سيركاً. ويا أصدقائي الأميركيين، لقد قمنا بتوظيف مجموعة من المهرجين.
فكروا فيما قاله لنا ترامب، ورئيس مهرّجيه، هوارد لوتنيك (وزير التجارة)، ومساعده الرئيسي، سكوت بيسنت (وزير الخزانة)، ونائب مساعده، بيتر نافارو (المستشار التجاري الأعلى)، مراراً وتكراراً خلال الأسابيع الماضية: ترامب لن يتراجع عن هذه الرسوم الجمركية لأنه — اختاروا أي سبب تريدونه — يحتاج إليها لمنع الفنتانيل من قتل أطفالنا، ويحتاج إليها لتوليد إيرادات لتمويل تخفيضات ضريبية مستقبلية، ويحتاج إليها للضغط على العالم كي يشتري مزيداً من منتجاتنا. وهو لا يبالي إطلاقاً بما يقوله أصدقاؤه الأثرياء في «وول ستريت» عن خسائرهم في سوق الأسهم.
وبعد أن تسبب في فوضى عارمة بالأسواق استناداً إلى هذه «المبادئ» الراسخة، ما دفع كثيرين من الأميركيين إلى البيع بخسارة بدافع الخوف، تراجع ترامب يوم الأربعاء عن معظم قراراته، معلناً تعليقاً لمدة 90 يوماً لفرض بعض الرسوم الجمركية على أغلب الدول، باستثناء الصين.
الرسالة إلى العالم، وإلى الصين: «لم أتحمل الضغط». ولو كان هذا كتاباً لكان عنوانه: فن الصراخ.
لكن لا تظنوا للحظة أن ما ضاع هو المال فقط. لقد تصاعدت سحب من الدخان التهمت ثروة من الثقة التي لا تُقدّر بثمن. في الأسابيع الأخيرة، أخبرنا أقرب أصدقائنا في العالم، الدول التي وقفت معنا جنباً إلى جنب بعد 11 سبتمبر، وفي العراق وأفغانستان، بأنهم لا يختلفون في شيء عن الصين أو روسيا. جميعهم سيُعاملون بالمعادلة الجمركية ذاتها، دون أي خصومات للأصدقاء أو العائلة.
هل تظنون أن هؤلاء الحلفاء القدامى سيثقون بنا مجدداً ويخوضون معنا معركة مشتركة في المستقبل؟
ما حدث هنا يعادل من حيث الأثر ما فعله بايدن عندما أدار بشكل فوضوي انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وهو انسحاب لم تتعافَ منه إدارته بشكل كامل. لكن على الأقل، بايدن أخرجنا من حرب خاسرة ومكلفة، ومن وجهة نظري، هذا أمر يجعل أميركا في وضع أفضل الآن.
أما ترامب، فقد أدخلنا في حرب خاسرة جديدة.
كيف؟ نحن بالفعل نواجه خللاً تجارياً مع الصين يجب معالجته. ترامب محق في ذلك. الصين تهيمن الآن على ثلث الصناعات العالمية، وتمتلك القدرات الصناعية التي تخولها، في يومٍ ما، تصنيع كل شيء للجميع. وهذا ليس في مصلحتنا، ولا في مصلحة أوروبا أو الدول النامية. بل ليس جيداً حتى للصين نفسها، لأنها تستنزف مواردها في التصدير، بينما تهمل شبكتها الاجتماعية الهزيلة ونظامها الصحي العام البائس.
لكن حين تتعامل مع بلد ضخم كالصين، يضم 1.4 مليار نسمة، ويملك هذه البنية التحتية والمهارات والمدخرات، لا يمكنك التفاوض معه إلا وأنت تمتلك أوراق قوة على طاولتك. وأفضل طريقة لاكتساب القوة كانت تكمن في جمع حلفائنا في الاتحاد الأوروبي، واليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، والبرازيل، وفيتنام، وكندا، والمكسيك، والهند، وأستراليا، وإندونيسيا، لتشكيل جبهة موحدة. نجعلها مفاوضات بين العالم أجمع والصين.
ثم نقول لبكين: سنبدأ جميعاً تدريجياً برفع رسومنا الجمركية على صادراتكم خلال العامين المقبلين للضغط عليكم من أجل التحول من اقتصاد قائم على التصدير إلى اقتصاد موجّه داخلياً. وفي الوقت نفسه، سندعوكم لبناء مصانع وسلاسل توريد في بلداننا، كمشاريع مشتركة بنسبة 50-50، لنقل خبراتكم إلينا كما أجبرتمونا أن نفعل من قبل. نحن لا نريد عالماً منقسماً. سيكون أقل ازدهاراً للجميع وأقل استقراراً.
لكن بدلاً من توحيد العالم الصناعي ضد الصين، جعل ترامب المعركة بين أميركا والعالم الصناعي بأسره... والصين.
الآن، تدرك بكين أن ترامب لم يتراجع فقط، بل أغضب حلفاءنا إلى درجة أن كلمته لم تعد تُؤخذ على محمل الجد، وقد لا يقف هؤلاء الحلفاء إلى جانبنا مجدداً في مواجهة الصين. بل ربما ينظر البعض منهم إلى الصين على أنها شريك طويل الأمد أكثر استقراراً وجدوى. يا له من أداء مثير للشفقة ومخجل. عيد تحرير سعيداً.