أقام قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب، الاثنين الماضي، ندوة بعنوان «تجارب قصصية»، قدّمها كل من الدكتور سليمان الشطي، والأستاذة ليلى العثمان، وأدارتها الدكتورة إيمان الشرهان. وتناولت المحاضرة التجارب القصصية للمحاضرين، وكيفية تطور أدواتهم السردية، وتأثير التجربة الشخصية في تشكيل العمل الأدبي.
يُعد السرد القصصي أحد أقدم وأقوى الوسائل التي استخدمها الإنسان لنقل المعرفة والمشاعر والتجارب، فالقصة ليست مجرد حكاية تُروى، بل هي وسيلة لفهم الذات والآخر، وجسر بين الثقافات والأجيال، من خلالها يتمكن الفرد من التعبير عن أفكاره، ومواجهة تحدياته، واستكشاف أبعاد هويته.
ولطالما كنتُ محبة للقصص وسماعها، وأجد فيها متعةً وفهماً عميقاً للواقع الإنساني. هذا الشغف كان دافعاً رئيسياً لاختياري موضوع بحث الدكتوراه، الذي تناول تجارب طالبات كلية الهندسة في جامعة الكويت والمعوقات التي واجهنها خلال رحلتهن التعليمية. وتناول البحث هذه التجارب من زاوية لغوية، وركّز على مفهوم «الهوية» كما يُتناول في علم اللغويات، خصوصاً في إطار السرد الشخصي وتمثيل الذات. لقد سعيت إلى فهم كيف تصوغ الطالبات هوياتهن من خلال اللغة التي يستخدمنها لسرد قصصهن، وكيف تعكس هذه اللغة مزيجاً من الطموح، والتحدي، والانتماء.
وفي السياق الكويتي، يشكّل السرد اللغوي مساحة غنية للدراسة، حيث يتداخل الفصيح مع العامي، والعربي مع الإنكليزي، ضمن سرديات يومية تعكس تنوع المجتمع وتعدد خلفياته الثقافية والتعليمية. لقد بدأت دراسات حديثة في الكويت تسلط الضوء على كيفية استخدام الأفراد للغة في صياغة تجاربهم، سواء في الأعمال الأدبية أو في اللقاءات الشفهية، ما يجعل من السرد اللغوي أداة لفهم التحولات الاجتماعية والهوية في المجتمع الكويتي المعاصر.
مثل هذه الندوات تبرز أهمية القصة في إثراء الوعي الإنساني، وتعزيز الحوار الثقافي، وتفتح المجال للتأمل في العلاقة بين اللغة، والتجربة، والهوية. ولا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر والتقدير لهؤلاء الكتّاب والمبدعين الذين يشاركون تجاربهم بكل شفافية، ويُلهمون غيرهم للكتابة والتعبير. لقد بدأت بنفسي في كتابة رواية مستوحاة من حياة والدي، رحمه الله، لكن رغم حماسي للمشروع، فإنني لا أزال مترددة في مشاركة النص لشعوري أن الكتابة حين تمس الذاكرة تكون شديدة الخصوصية والحميمية، ومع ذلك، فإن مثل هذه الندوات تمنحني جرأة الاستمرار والإيمان بقيمة الرواية.