تسعى إدارة ترامب إلى احتواء تداعيات أزمة جديدة، بعد أن كشف رئيس تحرير مجلة ذا أتلانتيك، جيفري غولدبرغ، عن انضمامه إلى محادثة جماعية عبر تطبيق «سيغنال»، ضمّت عدداً من كبار المسؤولين الأميركيين، ناقشوا خلالها خططاً محتملة لمهاجمة جماعة الحوثي في اليمن.

وتزداد خطورة الموقف مع الكشف عن مشاركة ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس ترامب، في تلك المحادثة أثناء وجوده في روسيا، مما يثير احتمال أن يكون جهازه المحمول قد تعرّض للاستهداف من قبل الروس. (ويتكوف أنكر اصطحابه لهاتفه الشخصي خلال الرحلة). وقد تصاعدت الدعوات في الأوساط الحكومية والإعلامية لمحاسبة بعض المسؤولين المشاركين، بل وحتى مطالبتهم بالاستقالة. إلا أن خلف هذا الجدل تكمن أزمة أعمق تتعلق بطريقة تواصل مسؤولي الأمن القومي الأميركيين.

Ad

وخلافاً لكثيرين خلال جائحة كورونا، لم يكن بإمكان عملاء الاستخبارات الأميركية العمل عن بُعد. كان ينبغي أن تكون هذه الحقيقة بمنزلة إنذار مبكر لمجتمع الاستخبارات بضرورة تطوير أساليب عمله، إلا أن هذا المجتمع، ومعه مؤسسات الأمن القومي، بقي حبيس المنشآت المصممة خصيصاً لحماية الأسرار الوطنية. كما أظهرت فضيحة محادثة «سيغنال»، فإن المسألة لا تتعلق بالمكان، بل بالنظام بأكمله.

ورغم أن تطبيق «سيغنال» لا يضاهي في أمانه أنظمة الاتصالات الحكومية، فإنه يُعد تطوراً مقارنة بالأنظمة التقليدية، التي باتت قديمة وغير عملية، بل وتعرّضت للسخرية مراراً. فرغم كل محاولات الحماية، تمكّن القراصنة الروس من اختراق بعض أكثر الوكالات الأميركية سرّية، كما استطاعت الاستخبارات الصينية الاستيلاء على أدوات اختراق إلكترونية تابعة لوكالة الأمن القومي واستخدامها ضد حلفاء الولايات المتحدة وشركاتها الخاصة. وامتدت مشكلات الاتصالات في وزارة الدفاع لتشمل تبادل المعلومات مع الحلفاء، حسب تقرير صادر عن «مجلس الابتكار الدفاعي»، الذي أشار إلى أن الموظفين في المستويات الدنيا «أصبحوا مشلولي الحركة بسبب الخوف من مخالفة القواعد الأمنية».

ونتيجة لمخاوف أمنية مشروعة، لكنها تعيق التقدم، لم تتمكن الحكومة الأميركية من مجاراة سرعة التطور التكنولوجي في القطاع الخاص. فعلى سبيل المثال، طوّر المخضرم في القوات الخاصة الأميركية، توم كاتيس، تطبيق فوكسِر (Voxer)، الذي يعمل كجهاز اتصال لاسلكي، بعد أن فشلت أنظمة الاتصالات العسكرية في إنقاذه أثناء كمين في أفغانستان. واليوم، بات الجيش يجيز استخدام الأجهزة الشخصية في المهام الرسمية.

هذا هو مستقبل الاتصالات في مجال الأمن القومي، فقد غيّرت الهواتف الذكية طريقة التخطيط للحروب وتنفيذها. ولم يعد بإمكان صنّاع القرار انتظار الإحاطات الاستخباراتية في المباني الحكومية أو غرف العمليات المصنفة. إنهم مطالبون بالبقاء على اتصال دائم، في أي وقت ومكان، مما يعني أنهم مضطرون لاتخاذ قرارات مهمة أثناء تنقلهم، وربما على حساب راحتهم الشخصية. وقد لا يفضل الكثير منهم العودة إلى مكاتبهم ليلاً أو خلال عطلات نهاية الأسبوع فقط لحضور اجتماع عبر الفيديو الآمن.

وفي عهد الرئيس أوباما، اضطرت الأجهزة الاستخباراتية إلى تزويده وأعضاء طاقمه بأجهزة «آيباد» معدّلة، لأن الرئيس أراد تلقي إحاطاته اليومية عبرها. وكذلك أصر كل من الرئيس بايدن والرئيس ترامب على استخدام هواتفهم المحمولة، رغم التحديات الأمنية المرتبطة بها. فهل من المستغرب أن يستخدم مسؤولو إدارة ترامب تطبيق «سيغنال» للتواصل؟

ومن المفارقات، أن إدارة ترامب، التي كانت تعارض العمل عن بُعد وتُصرّ على عودة الموظفين الفدراليين إلى المكاتب، لجأ مسؤولوها إلى «سيغنال» كوسيلة بديلة. رغم أن هناك أدلة واضحة على أن العمل عن بُعد قد حسّن أداء القوى العاملة الفدرالية.

إن الأجيال القادمة من موظفي الدولة نشأت في عصر الهواتف الذكية، وستسعى لاستغلال التقدم التكنولوجي في المعلومات. وستطالب بأنماط عمل أكثر مرونة. وإذا لم تجد ذلك في القطاع الحكومي، فستبحث عنه في أماكن أخرى، مما سيعمّق أزمة استنزاف الكفاءات داخل الحكومة.

وأسرار الدولة ليست محمية فقط بالأنظمة والتقنيات والمرافق الآمنة، بل بأمانة من يتعاملون معها. فلم تتمكن تلك الوسائل من منع تسريبات إدوارد سنودن، أو تشيلسي مانينغ، أو جاك تيشيرا. وبالمثل، لم تكن المشكلة في محادثة «سيغنال» أنها اختُرقت، بل في أن شخصاً غير مفترض أن يكون ضمن المجموعة، تمّت إضافته إليها على الأرجح عن طريق الخطأ البشري.

جيفري روج

* زميل أبحاث أول في معهد الأمن العالمي والوطني بجامعة جنوب فلوريدا «وول ستريت جورنال»