كُن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً
يُرمى بصخر فَيُلقي أطيب الثمر
بيت شعر يدعو إلى الترفع عن الأحقاد وعن أذى الحاسدين، تماماً كالنخيل الذي لا يرد الإساءة بمثلها، بل يتحول إلى عطاء أجمل، فالنخلة في التراث العربي القديم مرتبطة بالكرم والصبر، لذا فقد يكون هذا البيت مقتبساً من المثل القائل: النخلة لا ترد على من يرميها بحجر إلا بتمر.
يقال إن صاحب هذا البيت هو المتنبي، وهذا ليس بمستبعد فهو يتماشى مع أسلوبه الراقي في نَظْمِهِ للحِكَم والنصائح، فرغم أنه لا يتوانى عن الهجوم على خصومه، فإنه أيضاً كتب حكمة عن التسامح والصفح، وقال:
وإذا أتاكَ أذًى مِنْ أحدٍ
فاصفحْ كما صفحَ الكريمُ الأصل
الإمام الشافعي قال أبيات شعر تؤدي إلى المعنى نفسه منها:
وَإِذَا صَنَعْتَ المَكرَ سَيِّئَةً إلَيَّ
فَاصْنَعِ المَكرَ بِالحُسْنَى إلَيَّ
فَكِلَانَا مَاكِرٌ غَيْرَ أَنَّنِي
أَكْرَمُ المَاكِرَيْنِ فِيمَنْ مَكَرْ
أما أبوتمام فقال:
وإِذَا أَصَابَكَ سَهْمٌ مِنْ عَدُوٍّ
فَاصْفَحْ وَلا تَكُ فِي الصَّفْحِ مُبَالِي
فَالنَّارُ بِالرِّيحِ تُذْكَى وَإِذَا
تُلْقَى عَلَيْهَا الرَّمَادُ تَخْبُوالحسد، ولا غير الحسد، هو الذي يأتي بالحقد وأذى الآخرين، وحسد الآخرين مجلبة لنكد صاحبه، وقد يقتله، كما قيل في هذا البيت من الشعر:
لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله
قاله أعرابي للخليفة المعتصم بالله عن وزيره الذي أودى به حسده، هذا البيت وراءه قصة طريفة لا بأس من سطر بعض منها.
إذ يقال إن المعتصم أُعجب بفصاحة أحد الأعراب، فقرّبه منه وجعله نديمه، فغار منه أحد وزرائه، وحسده على ذلك، وأضمر له سوءاً، وصار يتلطف به، حتى أتى به إلى منزله، وأعدّ له طعاماً أكثر فيه الثوم، فلما أكل منه، قال له الوزير: احذر أن تقترب من الخليفة، حتى لا تؤذيه رائحة الثوم فيتأذى من ذلك، ثم إن الوزير ذهب إلى الخليفة وقال له: إن الأعرابي يشيع عنك أنك أبخر، أي كريه رائحة الفم.
ودخل الأعرابي كعادته على الخليفة، ولكنه هذه المرة كان ساترٌ فمه بكمه مخافة أن تؤذيه رائحة الثوم، إلا أن الخليفة غضب وقد صدّق ما قاله الوزير عن أمر الرجل، فأمر بكتاب يقول فيه لأحد ولاته: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب عنق حامله، ثم دعا الأعرابي، ودفع إليه الكتاب، وقال له: امض به إلى فلان وآتني منه بالجواب، فامتثل البدوي لأمر الخليفة. إلا أن الوزير، ولفرط حسده، ظن أن الأعرابي سيحصل له من هذه المهمة على مال جزيل، فقال له: دعني أريحك من هذه الرحلة المتعبة، وسأعطيك ألف دينار، فقبل الأعرابي من دون تردد، فكان مصير ذلك الوزير أن قتله حسده.
وأخبر الأعرابي الخليفة بما دبر له الوزير من أذية، وقال له منشداً:
لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله
والذي لا يزال يتداول بين الناس.