في خضم تكثيف الولايات المتحدة ضغوطها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية ضد إيران ودعوتها لإبرام اتفاق دبلوماسي تفادياً للتعرض لأمور «سيئة جداً»، أشاد المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بتغريدة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على منصة «إكس» جدد فيها إعلان بلده التزامها بعدم السعي إلى تطوير سلاح ذري تحت أي ظرف، قبل أن يتراجع عنها سريعاً في خطوة أثارت جدلاً جديداً بشأن سياسة واشنطن تجاه طهران.
ووصف ويتكوف، تغريدة وزير الخارجية الإيراني التي جاءت بعد أن لوح علي لاريجاني المستشار البارز للمرشد علي خامنئي باللجوء إلى تطوير قنبلة ذرية بحال تعرض منشآت بلده للاستهداف من واشنطن أو حليفتها إسرائيل بالرائعة، وهو ردٌّ قصير بدا وكأنه تأكيد على موقف عراقجي الداعي إلى اعتماد الدبلوماسية واستبعاد أي احتمال للخيار العسكري، لكن اللافت أن ويتكوف حذف رده بعد ساعات.
وأثار هذا التغيير المفاجئ العديد من التساؤلات، فإذا كان ردّ ويتكوف تأييداً للخيار الدبلوماسي، فماذا يعني حذفه لاحقاً؟ وما إذا جاء هذا التصرف تحت ضغوط داخلية في إدارة ترامب التي تضم العديد من القيادات التي تكن العداء لطهران.
ودائماً تذبذبت إدارة ترامب بين خيارَي التعامل الدبلوماسي والضغط العسكري تجاه إيران. فمن جهة، لا يزال الرئيس الأميركي، لا سيما في رسالته الأخيرة إلى المرشد الإيراني، يؤكد إمكانية التفاوض، ومن جهة أخرى، هدد مراراً بأن الخيار العسكري سيكون مطروحاً إذا لم تُلبِّ طهران مطالبه.
وعزز غموض النوايا الأميركية تقريراً نشرته صحيفة «ديلي إكسبريس» نقلاً عن مصدر مقرب من إدارة ترامب قال فيه إن إيران قد تواجه «خطر الزوال» بحلول سبتمبر المقبل إن لم تمتثل لمطالب واشنطن وتوقف سعيها لامتلاك سلاح نووي.
وأضاف: «إذا لم تستجب طهران للعرض السخي الذي قدّمه الرئيس ترامب، والذي يتضمن إجراء مراجعة شاملة لقدراتها النووية وتفكيكها بالكامل، فلن يكون هناك وجود لها بحلول سبتمبر. الأمر في منتهى البساطة».
وأكد مصدر في الحكومة الإسرائيلية للصحيفة أن الدولة العبرية والولايات المتحدة «ستوجهان ضربات للمنشآت النووية في الجمهورية الإسلامية، إذا لم تستأنف طهران المفاوضات بشأن الاتفاق النووي».
وتابع: «الأمر المؤكد هو أن الضربة ستحدث إذا رفضت إيران تغيير موقفها بشكل جذري. لكن السؤال الوحيد الذي يتعين الإجابة عنه هو متى ستتم هذه الضربة؟».
كما كشف تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن هناك احتمالية كبيرة لأن تشن الولايات المتحدة وإسرائيل ضربة عسكرية مشتركة ضد إيران خلال النصف الأول من العام الحالي، أي في غضون أقل من 3 أشهر من الآن.
وفي تحرك موازٍ، أعلن نائبان في الكونغرس الأميركي، أحدهما جمهوري والآخر ديموقراطي، تقديم مشروع قانون جديد يلزم بتقديم «دعم أقصى» للمعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، بالتوازي مع سياسة «الضغط الأقصى» التي تطبقها واشنطن ضد النظام الإيراني.
تنسيق وانفتاح
وفي وقت أجرى قائد القيادة العسكرية الوسطى الأميركية (سنتكوم)، مايكل كوريلا، اجتماعاً مع رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بحضور قادة عسكريين إسرائيليين كبار «لبحث قضايا عملياتية واستراتيجية إقليمية»، رأى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أن بلده لا تستبعد المسار الدبلوماسي لمنع طهران من حيازة سلاح نووي، بعد أن قال إن الدولة العبرية قد تلجأ إلى الخيار العسكري لمنع طهران من حيازة النووي بدعم من ترامب.
وأضاف ساعر، أن هناك مؤشرات على احتمال إجراء محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة.
وتابع: «لا نجري محادثات مع الإيرانيين كما تعلمون، لكنهم أشاروا بوضوح إلى استعدادهم لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع الأميركيين. ولن أتفاجأ إذا بدأت تلك المفاوضات».
وأكد ساعر خلال زيارة إلى فرنسا أن لتل أبيب وباريس هدفاً مشتركاً، هو الحؤول دون حيازة إيران سلاحاً نووياً، مشيراً إلى أنه دعا نظيره الفرنسي جان - نويل بارو الذي التقاه، إلى زيارة الدولة العبرية من أجل مواصلة الحوار مع الجانب الفرنسي.
وأمس الأول، حذرت فرنسا على لسان بارو، من ارتفاع مخاطر المواجهة، وتقلص فرص التوصل إلى اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني، معتبرا أنه «في حال الفشل، فستبدو المواجهة العسكرية شبه حتمية».
ونقلت «رويترز» عن مصادر دبلوماسية، أن وزراء من فرنسا وبريطانيا وألمانيا يأملون مناقشة الملف الإيراني مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال اجتماع وزاري في بروكسل الأسبوع الحالي.
إشارات متضاربة
وفي وقت تواصل إيران إطلاق إشارات متضاربة بمواجهة الضغوط الأميركية، حذر نائب قائد «الحرس الثوري» يد الله جواني من أنه إذا تم تنفيذ التهديدات ضد بلده فإنها «ستعيد النظر في طبيعة برنامجنا النووي وفي عقيدتها الدفاعية».
وقال جواني: «معنى هذه المراجعة واضح جداً»، مضيفاً أن أي عمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني «سيدخل الصناعة النووية لطهران في مرحلة جديدة، وفي هذه الحالة، يجب تقديم تعريف جديد لإيران ومحور المقاومة في المعادلات الإقليمية والدولية».
وأكد جواني أنه «رغم أن أي عمل عدواني من قبل الأميركيين والإسرائيليين قد يسبب بعض الخسائر لإيران والإيرانيين، فإن الخسائر التي ستلحق بالأعداء ستكون أكبر بكثير بسبب الرد القوي والمباشر الذي سيتلقونه».
معارضة روسية
وفي حين استعرض نائب وزير خارجية إيران مجيد روانجي ونظيره الروسي سيرغي ريابكوف في موسكو سبل التوصل إلى إطار مشترك لحل الخلافات ورفع العقوبات المتعلقة بالقضية النووية، أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن اعتقادها بأن أي استخدام للقوة العسكرية ضد إيران سيكون «غير قانوني وغير مقبول وستكون له عواقب كارثية على العالم أجمع».