يثير الجدل، تارة أخرى، فخامة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا ينفك يكون محط ومحور كل خبر أو مقال أو حتى نقاش خاص، ولكن هذه المرة بحركة وأمر قد يبدو للوهلة الأولى ليس بالجلل... هنا نتحدث طبعاً وبكل وضوح عما تم التعارف عليه بـ «وثائق اغتيال الرئيس الأسبق كينيدي السرية». ولمن لم يعرف أو لم يسمع به، فإن جون فترجاريلد كينيدي JFK، هو ذاك الرئيس الأشقر الحالم صاحب أسلوب الخطابة المميز والملامح الأنجلو ساكسونية الصرفة المميزة التي تجعله يبدو كنجم هوليوودي أكثر منه رجل سياسة واجتماع. نعم، هو ذاك الذي اشتهر بعلاقاته النسائية، ومن ضمنها علاقته مع النجمة مارلين مونرو، وهو ذاك الرجل الذي تم اغتياله برصاصة تجاه سيارته المكشوفة عام 1963 ومازالت تلك الحادثة محط اهتمام الساسة والمجتمعات في كل أرجاء الكوكب الأزرق ولأكثر من ستة عقود زمنية متتالية.
بداية، نستوقف الحديث لنرى لم كان من المهم معرفة حيثيات المسألة تاريخياً وأثر تلك الوقائع على المجتمع والناس.
رئيس أميركي يتم اغتياله وتحدث البلبلة حول الموضوع أكثر من ستين عاماً! لعمري هذا هو الأمر الجلل ودلالاته أننا لم نتجاوز عاماً واحداً إلا وقد أشارت وسائل الإعلام منذ بزوغ فجر الحادثة إلى يومنا هذا، علاوة على الأفلام والمسلسلات، إلى وجود اختراقات أمنية في المكتب البيضاوي والعسكر والعسس ممن يحيطون بالرئيس وتدخّل المخابرات الروسية في الموضوع وأمور متشابهات تجتمع على هذا كله.
مجموع تلك الوثائق والتحقيقات والتحريات والملفات وما كان مخفياً عن العيان، جمع في مكان واحد وتحت مسمى «الوثائق السرية» أو ملفات اغتيال كينيدي.
وبحسب ما ورد على موقع SKY NEWS فالرئيس ترامب، وهو من أمر بنشر تلك الوثائق ثم امتنع وحجبها بحجة الصالح العام عام 2017، قام بنشرها أخيراً وإعطاء الضوء الأخضر لذلك، وعليه تم رفع أكثر من 2,200 ملف تتضمن أكثر من 63,000 صفحة للعامة من أصل يتجاوز 85,000. طبعاً توجد ملفات مازالت قيد عدم النشر، ولم يتم الإفصاح أو البت فيها في ذات الموضوع والسياق. ولم يتمكن العالم أجمع إلى وقت كتابة هذا المقال ولا حتى المحللين والمؤرخين ولا الباحثين من قراءة المادة كلها.
لكن ما هي خلاصة كل هذا الموضوع وإن كان أمراً جللاً؟! أولاً، مازلنا نرى أن لي هارڤي أوزوالد الأميركي، الذي كان حينها ذا أربعة وعشرين ربيعاً، والذي أصبح عميلاً للمخابرات الروسية لاحقاً، هو صاحب الرصاصة الدامية. أما ثانياً، فمازال البيت الأبيض ولأكثر من ستين سنة محط أنظار العالم أجمع.
وفي الحقيقة، وهذا ما نراه حقاً دون تزلف، فإن صاحب نظرية المؤامرة والحالمين وممن يعتقدون بما وراء الطبيعة، لن يتزعزع رأيهم أو موقفهم بتاتا، وإن نشر هذه الوثائق أو جزء منها أو كلها يزيد الطين بلّة. ولكن في نهاية المطاف هناك حقيقة واحدة تتمثل في أن الرئيس ترامب عرف الوقت المناسب لإتمام ما وعد به، وعلى ضوء علاقته الخاصة بالدب الروسي اليوم، فلا مجال لتأويل الأمر أكثر، وفي الواقع لن تجيب هذه الوثائق عن أمر ليس معروفاً. وهنا الذكاء السياسي الذي نفتقده في تحليلاتنا السياسية اليومية، وكيف لشخص أن يكسب الشارع العام دون الإضرار بأحد بتاتاً.
على الهامش:
نفس الوثائق نشرت ورقة مهمة تنص أن «أوزوالد» وهو في روسيا لتلقي التدريبات على أغلب الظن، كان قناصاً رديئاً، ولا يمكنه أن يحمل بين أضلعه الحس العسكري... أترككم مع هذه الفكرة والنص لنتفكر معاً في الهدف الخفي لنشر الوثائق بهذا التوقيت.
هامش أخير:
رسالة وزير التجارة الأميركي هوارد لاتنك، والتي خرجت علينا في الإعلام يوم الجمعة الماضي، ذات فحوى وجوب استرداد مئة مليار ثمناً لحرب الخليج وعاصفة الصحراء من الكويت، هي رسالة متضاربة غير صحيحة، وإدارة البيت الأبيض ذاتها على علم بذلك، علاوة على أن فاتورة الحرب تم سدادها من الكويت على شكل أموال واستثمارات وخلافه، لكن كانت الرسالة شيئاً من رفع الحرج ودق الناقوس للشارع الأميركي في أي تصرّف قادم مع الكويت ودول الخليج.
هذا هو المقصد بالدرجة الأولى، وليس القصد تأجيج مشاعر الكويتيين، بل إعطاء ذريعة في حال ضغطت أميركا علينا، وبالتحديد إدارة ترامب لدفع أموال من تحت الطاولة أو من فوقها على غرار أساليب الابتزاز أو أفلام الكاوبوي، لذلك في هذه الحالة من واجب السياسة الخارجية الكويتية أن تتعامل مع المشهد بالحقائق والأرقام وإظهارها للعلن، وفي الإعلام العالمي كي يتم لجم أي تطاول من هذا النوع في المستقبل.