ولست بمُبدٍ للرجال سريرتي
ولا أنا عن أسرارهم بسَؤولِ
بيت شعر لكعب بن سعد الغنوي يوحي فيه أنه ليس هناك ما يدعو الرجل إلى كشف ما في مكنونه للآخرين، ولا أن يلح بسؤال الآخرين عمّا يسرّونه في قلوبهم.
وهناك نصيحة بالكتم حتى فيما يخص قضاء الحوائج عن الغير، وهناك حديث منسوب للرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول فيه: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود»، فكل إنسان وله أسراره الخاصة به، يكتمها ولا يكشفها حتى لأقرب المقرّبين له، وإن كَشَفها فلأهل الثقة، وقد قال الشاعر في ذلك:
لا يكتم السر إلا كل ذي ثقة
والسرُّ عند خيار الناس مكتوم
فالسر عندي في بيت له غلقٌ
ضاعت مفاتيحه والباب مختوم
***
صُنِ السرّ عن كل مستخبر
وحاذر فما الرأي إلا الحذر
أسيرك سرّك إن صنته
وأنت أسيرٌ له إن ظهر
وكتم ستر الآخرين وحفظه واجب ديني وأخلاقي، وقد قال الرسول، صلى الله عليه وسلم، في ذلك: «إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة»، وقال: «إن الله عز وجل حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يحب الحياء والسِّتْر»، وقال: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته، حتى يفضحه بها في بيته».
وهناك أقوال وحِكَم قيلت في كتمان السر، وفي عدم إفشائه، ومنها: السر كالسجن، إذا أطلقته سجنك، ومن كتم سرّه كان الخيار بيده، والسر أمانة وخيانته غدر، وقلوب الرجال صناديق مقفلة، وما كل ما يُعرف يُقال، ولا كل من يسمع الأسرار يُؤتمن.
فكل ابن آدم خطاء، وليس من أحدٍ إلّا وله خطأ لا يحب أن يَطَّلِع عليه أحد من الناس، ولذلك كان السَّتْر واجباً، وقد قال ابن القيم في ذلك:
وَهُو الْحَييُ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ
عِنْدَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بِالْعِصْيَانِ
لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيهِ سِتْرَهُ
فَهُو السَّتِير وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ
ولتبيان أهمية الستر، فقد أتى رجل عمر الفاروق، رضي الله عنه، فقال: إن ابنةً لي كانت وُئِدت في الجاهلية، فاستخرجْتُها قبل أن تموت، فأدْركَت الإسلام، فلما أسلمت أصابت حداً من حدود الله، فعمدتْ إلى الشفرة لتذبح بها نفسها، فأدركتُها وقد قطعت بعض أوداجها، أي عروقها، فداويتُها حتى برِئت، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة، فهي تُخْطَبُ إليّ يا أمير المؤمنين، أفأخبر من شأنها بالذي كان؟ فقال عمر: أتُخْبِرُ بشأنها؟! تعْمَد إلى ما ستره الله فتبديه؟ والله لئن أخبرتَ بشأنها أحداً من الناس لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، بل زَوِّجْها بزواج العفيفة المسلمة.
فليس هناك من ليس لديه سرّ يخفيه عن الآخرين، فاكتم سرك وأسرار غيرك، واستر عوراتك وعورات غيرك، فمن ستر على الناس ستره الله.