هي الذكرى الرابعة على رحيل رجل الدولة الذي نفتقده ونفتقد أمثاله في أيامنا الصعبة، ألا وهو الأستاذ والاقتصادي والسياسي عبدالكريم الأرحبي – نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي، والمدير التنفيذي للصندوق الاجتماعي للتنمية الأسبق – الذي غادرنا بداية عام 2021م راحلاً في وطنٍ عزيز هو الكويت الشقيق، عندما كانت آخر أعماله بالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، وكان لي شرف إعداد كتابٍ يحكي تجربته، ويسرد سيرة حياةٍ ومسيرة علمٍ، وقد حاولنا الدخول إلى أعماقها لنتعرف على ما بخلده نحو وطنه وشعبه، ولنتعلم مما حمله قلبه من محبةٍ ومودةٍ لكل شبرٍ فيه، ولكن هيهات فالقلم يعجز، واللسان ينعقد، والعقل يحتار أمام هذا الكبير والكثير، محبةً وعطاءً وتضحية، وجهوداً وإنجازاً ونجاحات، اقتصادياً وسياسياً وإدارياً، ولكنني أجد أنه أقل ما يقدم لهذه الشخصية التي لا أستطيع أن أدونها بكل حروفي، وما أوتيت من بلاغة، لأنه يشكل استثناءً خاصاً، فهو حقاً رجل دون كل الرجال، ومسؤول ليس كمثله مسؤول، وأب فاضل قلما يجود الزمان بمثله، ورمز للإخلاص والوفاء ونكران الذات في كل عملٍ يؤديه، فإذا كان يحْسب له أنه أنشأ الصندوق الاجتماعي للتنمية، وهذا يكفيه فخراً وتقديراً وتكريماً، فما ان يدلف المرء إلى مبناه حتى يلامس تاريخاً حافلاً بكل الإنجازات التي تحققت منذ إنشائه، تاريخاً نسج عبر آلاف الصور المعلقة في كل مكانٍ، بدءاً من مدخله الرئيسي وانتهاءٍ بمكتبه في الطابق الخامس.
وحقيقة الأمر... فمن الصعب جداً الكتابة عن هكذا شخصية رفيعة، ومن الصعب إيفاؤه حقه بمجرد إصدار كتابٍ واحدٍ يتيم، فالشخصية غنية عاصرت مراحل وأحداثاً، وكانت أيقونتها، ولكن ما يحسب لنا أننا حاولنا جمع ما تيسر من الذكر للفقيد، المدعم بعشرات المواقف الحقيقية، ومئات الأعمال الناصعة، وحاولنا إثراءه عبر التواصل مع أقرانه وأترابه، ولكن الأمر لم ينجح لسببٍ عائدٍ إلى المرض والأسى على فراقه، والذي تسبب لهم في صدمةٍ عقدت لها ألسنتهم، وأوْجعت بها قلوبهم، فتواصلنا مع أسرته وأقربائه، وكانوا نعم الأسرة ونعم الأخوة، فهذا الوفاء الذي تتمثل فصوله وسطوره وحروفه عن آهات محبيه، وأنات أصدقائه، وجواهر قلوب موظفيه، ومن عرفه، جمعت على شكل كتابٍ ليس الغرض منه المدح، ولا محاولة الإطراء لمسؤولٍ سابقٍ أصبح عند ربه، وإنما المراد منه الابتعاد أشد البعد عن الكتب النمطية والسردية لحياة شخصيةٍ أثرت في حياتنا، والمأمول منه تعليم الأجيال الشابة مسألةً مهمةً ما أحوجنا إليها في هذا العالم، وهي مسألة العزم والتصميم على بلوغ الأهداف مهما كانت الصعوبات والتحديات والإمكانات الشحيحة.
وأخيراً... فهذه القصة هي شعلة نورٍ في حياة اليمنيين، ومسيرة عطاءٍ بدأت بإضاءة شمعةٍ في الظلام لتصبح فيما بعد منارة علمٍ، وفنار معرفةٍ، بل ومنظومة متلألئة من النجاحات والإنجازات... ويقول الشاعر:
كل الفجائع تسْتطب فتنْجلي
إلا الفجيْعة فيْك ليْس لها دواء
رحم الله الفقيد، فبرحيله خسرنا شخصية إداريةً محنكة، تركت في المواقع التي شغلتها بصماتٍ ساطعة، ومواقف هي الأنقى والأسمى، ليصبح بذلك رمزاً خالداً، وشخصية مؤثرةً وفذة، قل أن يجود الزمان بمثلها، وهيهات أن يجود.
* صحافي يمني