في تصريح يعكس استخفافاً بقدرتهم على الرد، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، إنه ليس قلقاً بشأن أي إجراءات انتقامية قد تقوم بها جماعة «أنصار الله» الحوثية، بعد الضربات العسكرية، التي شنتها الولايات المتحدة في اليمن.

وفي وقت أبدت الإدارة الأميركية عزمها على مواصلة العملية العسكرية حتى تحقيق هدفها وهو وقف الجماعة المدعومة من إيران عملياتها في البحر الأحمر، تساءل خبراء ومحللون إذا كان القصف من الجو والبحر مع استبعاد عملية برية مقروناً بعدم رغبة الإدارة الحالية بخوض أي حرب كبيرة، قادراً على إجبار المتمردين المتمرسين بالحرب، والذين ليس لديهم الكثير ليخسرونه، على التراجع أم قد يدفعهم ذلك إلى زيادة عزمهم، حسبما كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، وهو الأمر الذي يقود المنطقة كلها إلى تصعيد كبير.

Ad

وقال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، الذي اتهمه الديمقراطيون بالافتقار إلى الخبرة، في مقابلة مع «فوكس نيوز» أمس الأول، إن واشنطن لا تسعى إلى الانخراط في حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط وليست معنية

بالحرب الأهلية اليمنية، وانه في «في اللحظة التي يقول فيها الحوثيون: سنتوقف عن إطلاق النار على سفنكم، سنتوقف عن إطلاق النار على طائراتكم المسيرة، ستنتهي هذه الحملة».

ومع استبعاد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو شن عملية برية، يعني كلام هيغسيث المذيع اليميني المتشدد أن الولايات المتحدة لن تدعم حلفاء او شركاء يمنيين على الأرض لمواكبة عملياتها الجوية، وهو ما قد يشجع المتمردين على الصمود مع الاحتفاظ بالمكاسب الداخلية مضمونة.

وقال محمد الباشا، مؤسس شركة «باشا ريبورت» الاستشارية الأميركية لأمن الشرق الأوسط لـ «وول ستريت جورنال» إن «فكرة شنّ هذه الموجة الهائلة من الغارات الجوية، ثم استسلام الحوثيين لها، فكرة سخيفة. سيردون بقسوة. ستكون حلقة مفرغة». وصمد الحوثيون في وجه هجمات من أعداء داخليين وأجانب طوال عقد من حكمهم بما في ذلك حملة جوية مدعومة براً من قبل التحالف العربي.

وقال أسامة الروحاني، المدير التنفيذي للسياسات والشراكات في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية: «من المرجّح أن يُظهر الحوثيون مقاومة، مما يعني أن سياسة الردع الأميركية ستستغرق وقتاً لإظهار فعاليتها». وأضاف: «لقد أثبتت الجماعة باستمرار قدرتها على التكيّف والتعافي».

وفيما بدا أنه محاولة من إدارة ترامب لدفع دول أخرى للانخراط بالعمليات ضد الحوثيين نقلت وكالة بلومبرغ عن مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، تولسي غابارد، قولها إنه «على المتضررين من اضطراب التجارة بالبحر الأحمر تبنّي إجراءات ضد الحوثيين».

رد إيران على «الرسالة»

وأكد مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز أن الضربات العنيفة التي نفّذتها القوات الأميركية ليل السبت ـ الأحد قتلت «العديد» من قادة المتمردين ووجه تحذيرات لإيران «بأن الكيل قد طفح»، ملمحاً الى استهداف مصالح إيرانية في اليمن.

ولم يتضح على ماذا يعول ترامب في عدم قلقه من رد الحوثيين الذين وجهوا قبل ضربات للرياض وأبوظبي، قبل أن تتوصل السعودية وإيران الى مصالحة تاريخية بوساطة صينية. ويعتقد محللون أن ترامب قد يعول على قبول إيران عرضه للتفاوض على البرنامج النووي وكل ملفات الخلافات بين البلدين بما في ذلك أنشطة وكلاء وحلفاء إيران المسلحين بمن فيهم الحوثيون.

وقال المتحدث باسم «الخارجية» الإيرانية أمس، في مؤتمر صحافي بطهران إن بلاده تراجع وتدقق بالرسالة التي بعثها ترامب حول المفاوضات لصياغة رد إيراني عليها. وكان المرشد الأعلى علي خامنئي رفض التفاوض مع ترامب، معتبراً أنه لا يمكن الوثوق به. ويرى الصقور في إدارة ترامب أن إيران في وضع ضعف بعض الضربات التي تلقاها حزب الله اللبناني وسقوط نظام بشار الأسد في سورية، وأنها لن تغامر بالتصعيد لخسارة الحوثيين آخر حلفائها بالمنطقة.

وقال المرشد الإيراني على خامنئي أمس، إن «الشعب اليمني سينتصر حتماً، مشدداً على أن المقاومة هي الطريق الوحيد لتحقيق هذا النصر».

ورأت إليزابيث كيندال، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط ورئيسة كلية غيرتون بجامعة كامبريدج، إنه «حتى لو تمّ التوصّل إلى اتفاق مع إيران، فإن الحوثيين يعملون باستقلالية وقدرة كافية ليظلوا شوكة في خاصرة الولايات المتحدة وحلفائها».

تراجع الغارات وضربات بالبحر

وقالت القيادة الوسطى في الجيش الأميركي (سنتكوم) أمس إن قواتها تواصل عملياتها ضد جماعة الحوثي اليمنية، وذكرت وسائل إعلام تابعة للحوثيين، ليل الأحد ـ الإثنين، بأنّ محافظة الحديدة الساحلية الخاضعة لسيطرة المتمردين في غرب اليمن تعرضت لغارتين أميركيتين، وهو يعني تراجعاً في كثافة القصف الأميركي.

وأعلن الحوثيون، في وقت مبكر من صباح أمس، استهداف حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» للمرة الثانية خلال 24 ساعة في شمال البحرالأحمر. وقال يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة في بيان «تم الاستهداف بعدد من الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة في اشتباك استمر عدة ساعات». وأوضح أن القوات المسلحة (التابعة للحوثيين) «نجحت في إفشال هجوم معاد كان العدو يحضر لشنه على بلدنا». وأشار سريع إلى أن «مقاتلات العدو - في إشارة إلى المقاتلات الأميركية - المحلقة اضطرت إلى العودة من حيث انطلقت بعد إطلاق صواريخ ومسيرات على حاملة الطائرات والقطع التابعة لها».

وأكد المتحدث العسكري الحوثي، أن قوات جماعته «ستمضي قدما في تنفيذ ما ورد بكلمة زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، بشأن الخيارات التصعيدية في حال استمر العدوان على اليمن».

كما أكد استمرارهم في حظر مرور السفن الإسرائيلية من منطقة العمليات في البحرَين الأحمر والعربي وباب المندب حتى رفع الحصار عن قطاع غزة. الا أن مسؤولاً أميركياً، قال إن الحوثيين أطلقوا فقط طائرات مسيرة وعلى الأقل صاروخاً واحداً رداً على الهجوم الأميركي، مضيفاً أنه تم اعتراض 10 من أصل 11 طائرة مسيرة بواسطة مقاتلات سلاح الجو الأميركي، وواحدة بواسطة مقاتلة تابعة للبحرية من طراز F/A-18. سقط الصاروخ في الماء بعيداً عن السفينة، ولم يقترب أي شيء من إصابة الحاملة أو السفن الحربية في مجموعتها الضاربة.

وقال بيان صادر عن وزارة الصحة والبيئة في حكومة الحوثيين إن «عدد الشهداء جراء العدوان الأمريكي على اليمن ارتفع إلى 53 فرداً بينهم خمسة أطفال وامرأتان، فيما وصل عدد المصابين إلى 98 شخصاً بينهم تسعة أطفال وتسع نساء». ودعا زعيم الحوثيين، في كلمة متلفزة، أنصاره إلى الخروج في مسيرات «مليونية» في صنعاء ومختلف المدن اليمنية، تنديدا بالضربات.