في ضوء المراجعة الشاملة لمواطن الهدر في الميزانية وترشيداً للإنفاق وتطبيقاً لقواعد العدالة بين الخاضعين لنظام التأمينات الاجتماعية، صدر قرار مجلس الوزراء بتكليف وزيرة المالية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار نورة الفصام، التنسيق مع ديوان الخدمة المدنية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات الواجب اتباعها لتخفيض المعاشات الاستثنائية الممنوحة بموجب المادة 80 من قانون التأمينات، ليعود ملف المعاشات الاستثنائية إلى الواجهة من جديد.

وكان مجلس الوزراء، كما أوضح في بيانه عقب اجتماعه الأسبوعي الخميس الماضي، اطلع على مقترح الوزيرة الفصام بتخفيض المعاشات الاستثنائية الصادرة بناء على أحكام المادة 80 من قانون التأمينات، والتي أجازت لمجلس الوزراء منح معاشات ومكافآت استثنائية، مما أخل بمبدأ العدالة والمساواة بين الوظائف المتماثلة.

Ad

وفي بيان لاحق له أمس، أكد المجلس أن قراره يأتي في ضوء المراجعة الشاملة لمواطن الهدر بالميزانية وترشيداً للإنفاق وتطبيقاً لقواعد العدالة بين الخاضعين لنظام التأمينات الاجتماعية، لا سيما المادة (80) التي كانت تهدف في الأساس إلى تقديم دعم استثنائي في حالات إنسانية محدودة ومبررة، وهو ما أفصحت عنه الملامح الأساسية للقانون.

وأضاف أنه نظراً لما لوحظ من توسع في تطبيق المادة بطرق تجاوزت الغرض الأصلي الذي شرعت من أجله على النحو آنف البيان، بتقرير معاشات استثنائية بمبالغ كبيرة ومتفاوتة، مما كان له أثره البالغ والمكلف بما حملته للخزانة العامة من مبالغ كبيرة، وأدى إلى الإخلال بمبدأ المساواة بين المستفيدين من أحكام هذه المادة وحاد بها عن الهدف المرجو منها، أصبح لزاماً وضرورياً إعادة النظر في هذه القرارات لما ترتب عليها من آثار.

وأوضح أنه من منطلق حرص الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان ترشيد الإنفاق وبشكل يخدم المستفيدين من المادة (80) بشكل عادل، قرر مجلس الوزراء تخفيض المعاشات الاستثنائية، معتبراً أن إلغاء المادة 80 بالمطلق فيه تعارض مع الأهداف الكلية للنظام الذي يوضح الهدف من هذا القانون، بتوفير المعاشات لأفراد المجتمع، كلما أمكن ذلك، باعتباره من أجل أهداف المجتمع.

وفي تفاصيل الخبر:

تتراوح المعاشات الاستثنائية وتختلف من كل حالة لأخرى، فأقل معاش استثنائي يحصل عليه المستفيد شهرياً هو 3 دنانير، بينما هناك آخر يحصل على نحو 9.9 آلاف دينار شهرياً، ويستفيد من المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية نحو 13 فئة.

والفئات المستفيدة هي الوزراء، والنواب، وأعضاء المجلس الوطني للثقافة، وأعضاء المجلس البلدي، والقضاة ورؤساء المجلس الأعلى للقضاء، وقياديو مؤسسة البترول، والموظفون والمديرون والمراقبون وقياديو الديوان الأميري، وديواني سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وقياديو الجهات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة، وأعضاء السلك الدبلوماسي، والمختارون، والمحافظون، والاستعانة بخبرات، وبعض الحالات الفردية».وقد طرح ملف المعاشات الاستثنائية أكثر من مرة، وكان من أكثر الملفات طرحاً داخل أروقة مجالس الأمة السابقة، ونوقش أكثر من مرة على مستوى اللجان والجلسات، وكان آخر تقرير أعدته لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية بمجلس أمة 2023 وتحديداً في 3 يناير 2024، والذي انتهت فيه إلى الموافقة على الاقتراح بقانون بإلغاء المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية، وسط تأكيدها أن إلغاء تلك المادة سيترتب عليه بقاء العديد من الحالات دون معاش تقاعدي، وهي الحالات التي لم تستحق المعاش التقاعدي بسبب عدم اكتمال الشروط اللازمة لاستحقاقه.

وتنص المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية على أنه «يجوز بقرار من مجلس الوزراء منح معاشات أو مكافآت استثنائية للمؤمّن عليهم وأصحاب المعاشات أو المستحقين عنهم أو لغيرهم من الكويتيين، ولو كانوا من غير الخاضعين لأحكام هذا القانون.. ومع عدم الإخلال بما يقرره مجلس الوزراء من أحكام خاصة، تسري على هذه المعاشات والمكافآت الاستثنائية أحكام هذا القانون».

وكما هو معلوم، فإن نص المادة 80 يسري على المدنيين، ويقابله بالنسبة للعسكريين - مع بعض الاختلاف - نص المادة 14 من قانون معاشات ومكافآت التقاعد للعسكريين الصادر بالمرسوم بالقانون رقم 69 لسنة 1980، ووفقا للمادة 81 من قانون التأمينات، فإن الخزانة العامة تتحمل بتكلفة ما يستحق وفقا لأحكامهما، وقد ورد إيضاح الأحكام المتعلقة بالمادة 80 المشار إليها في المذكرة الإيضاحية تحت بند «التوسع في نظام المعاشات»، الذي يوضح الهدف من هذا القانون، بتوفير المعاشات لأفراد المجتمع كلما أمكن ذلك، باعتبار أن ذلك من أجل أهداف المجتمع.

وعلى هذا الأساس، فقد أعطى قانون التأمينات الاجتماعية مجلس الوزراء الحق في منح المعاشات الاستثنائية للمؤمّن عليهم ولأصحاب المعاشات أو المستحقين عنهم، كما أعطى الحق في منح هذه المعاشات لغير الخاضعين لأحكام هذا القانون من الكويتيين، حتى تتاح الفرصة لإثابة من يؤدون خدمات جليلة للبلاد، سواء كانوا يعملون لدى صاحب عمل من عدمه.

الأمر الذي يبين معه أن ما قرره المشرّع كان بهدف معالجة الحالات التي لا تستوعبها أنظمة التأمينات الاجتماعية، إمّا لعدم توافر شروط الاستحقاق فيها وفقا للقانون، أو لأن ما هو مقرر وفقاً لها لا يكفي لمعالجة أوضاع تلك الحالات، أو لمكافأة من قدّم خدمات جليلة، أو لغير ذلك من الأسباب، وعليه، فإن تقرير منح المعاشات الاستثنائية من صلاحيات مجلس الوزراء وحده في هذا الخصوص، وبما له من سلطة تقديرية.

وتعد المادة 80 أداة مهمة لمجلس الوزراء لمنح الحالات التي لم تستحق المعاش التقاعدي بسبب عدم اكتمال الشروط اللازمة لاستحقاقه، لاسيما السن القانونية، والحالات الفردية والمستحقين عنهم، ومنهم الذين يعتمدون في معيشتهم اعتمادا كاملا على هذا المعاش، كما أن هذه المادة تمكّنه من صدور قرار بمنح المعاش الاستثنائي للحالة التي ليس لها مصدر دخل أو تحتاج إلى مساعدة».

غير أنه كانت هناك اعتراضات بأن إطلاق يد مجلس الوزراء في إصدار قرارات بمنح المعاشات أو المكافأت الاستثنائية تخلق التمييز بين أفراد المجتمع، ولا تحقق العدل والمساواة بينهم، إضافة إلى عدم وجود ضوابط أو أحكام واضحة في منحها، وهو ما استندت إليه اللجنة المالية في تقريرها الذي انتهت فيه إلى الموافقة على إلغاء نص المادة.

ويتوقف دور المؤسسة العامة للتأمينات عند صرف المعاش الاستثنائي مع تحمّل الخزانة العامة للدولة تكلفتها، ويُعد مجلس الوزراء هو الجهة المقرر لها قانونياً سلطة المنح.

لكن اللافت هو الرأي السابق لـ «التأمينات» بموجب مذكرة رسمية أحالتها المؤسسة للجنة المالية في نوفمبر 2023، الذي تصطدم فيه مع قرار مجلس الوزراء، حيث أكدت وقتها أن سحب قرارات منح المعاشات الاستثنائية الصادرة بناء على أحكام المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية يتضمن مساساً بالحقوق المكتسبة وإهدارا لها.

وأشارت المؤسسة آنذاك إلى أن إدارة الفتوى والتشريع سبق أن أبدت رأيها في هذا الشأن بعدم جواز سحب أو إلغاء أو تعديل القرارات الصادرة من مجلس الوزراء بمنح المعاشات الاستثنائية، وذلك أن تلك القرارات قد نشأت مكتملة ومستوفية لجميع عناصرها، دون سقف زمني تنتهي عنده، وهو ما يعني أنها صدرت سليمة وتولّد عنها حق ومركز شخصي لا يجوز معه سحبها أو إلغاؤها أو الانتقاص منها في أي وقت، بعد أن أصبحت التزاماً على الجهة التي تقرر عليها مترتبا في ذمتها، وأضحت حقوقاً تم اكتسابها فعلاً، وأن المساس بهذا الحق يُعد هدماً لوجوده وعدواناً على الحقوق، وهو ما لا يجوز قانونياً.