«آخِ الأكْفاءَ وداهِ الأعداءَ»، مثَل عربي قديم ينصح بأن ترافق وتصاحب مَنْ هو كفء لك، وأهل لثقتك، وأن تبتعد عمَّن يريد بك الضرر، وذلك بمداهنته، لتتقي شروره. والأكْفاء جمع للكُفء، أما داهِ أو داهن، فقصد بها أن تتقي أذى أعدائك بمجاملتهم، بدلاً من أن تستثيرهم عليك.
و«آخِ الأكْفاءَ وداهِ الأعداءَ» قريب من القول: «خالِصِ المؤمنَ وخالِقِ الفاجِر»، فهي دعوة شبيهة بأن تخلص بمودتك للمؤمن، فهذا حق له عليك. وأما المنافق والفاجر، فقد يرضى منك بالخلق الحسن، فجامِله، حتى لا يُهْضِمْ دينَكَ، فمن ابتُلي بذي شر ينبغي أن يتحمَّله ويتقيه، وقد قِيل في ذلك: خالص المؤمن مخالصة، وخالق الفاجر مخالفة، فإن الفاجر يرضى بالخلق الحسن حتى لو كان في الظاهر.
السيدة عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، قالت عن ذلك: استأذن رجل على النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذنوا له، فبئس رجل العشيرة، فلما دخل ألان له القول، ولاطفه، حتى ظننت أن له عنده منزلة وقدراً، فلما خرج قلت له: «لما دخل قلت الذي قلت، (تعني بئس رجل العشيرة)، ثم ألنت له القول، ولاطفته»، فقال، صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتّقاء فحشه»، أي: تركوا مخالطته وتجنبوا معاشرته لأجل قُبح قوله وفعله، وهذا أصل المداراة له.
وهناك أقوال وحِكم تنصح بحُسن مخالطة الناس، حتى لو بسوءاتهم، منها قول: خالطوا الناس بأعمالكم وزايلوهم بالقلوب، وقول محمد بن الحنفية، رضي الله عنه: ليس بحكيم مَنْ لم يعاشر بالمعروف مَنْ لا يجد من معاشرته بدّاً، حتى يجعل الله له منه فرجاً، وقال أبوالدرداء: إنا لنكَشّر، أي نَبش، في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتبغضهم، بمعنى مداراتهم اتقاءً لشرهم.
وقال ابن عباس، رضي الله عنه، في معنى قوله تعالى: «وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» بالسلام والمداراة والملاينة في القول، وقيل: داروا سفهاءكم، وداروا الناس على قدر إحسانهم، وخالطوا الناس على قدر أديانهم، وأنزلوا الناس منازلهم، وداروا الناس بعقولكم.
اللهم قرِّبنا وقرِّب إلينا الأكفاء، وابعد عنَّا الأعداء، وكل مَنْ أراد ببلدنا وبنا شراً وضرراً.