سررت بمؤتمر صحافي حضره 4 وزراء يتقدمهم وزير التجارة والصناعة بالإعلان عن إطلاق المرحلة الأولى للرخصة الذكية الموحدة والتي بموجبها يتعزز التنسيق بين الجهات الحكومية لتسريع وتبسيط إجراءات منح التراخيص التجارية لتكون رخصة موحدة بتواريخ صلاحية متزامنة، بمعنى أن بهدلة المواطن بين الإدارات الحكومية ستنخفض عند رغبته في إصدار ترخيص تجاري، وستقل «المراكض» بين التجارة والداخلية والبلدية وشؤون القوى العاملة... إلخ.
الخبر طبعا سار للكويتيين، لاسيما المبادرين الشباب، ومن يكره التبسيط؟!
ولاستكمال الصورة الجميلة التي رسمها لنا المؤتمر الصحافي، لا بد من الدخول في التفاصيل، والشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال.
أنطلق من تجربتي الشخصية بإصدار ترخيص عبر موقع وزارة التجارة (النافذة الواحدة) وكذلك الإجراءات الروتينية بعدد من مواقع وزارات مختلفة، لأقول إن هناك حتما جهداً مبذولاً، ولكنه مبعثر وغير مكتمل، لأسباب منها:
1. غياب منهجية «ضمان جودة الخدمة Quality Assurance» والتي بموجبها يتم ضمان تلبية الخدمات لمتطلبات المراجعين وفق معايير فنية وإدارية مقبولة ومن ثم تطوير الجودة لتتخطى توقعات الجمهور. لم أجد أي تطبيق حكومي، بما فيها «سهل»، يتبنى منهجية ضمان الجودة.
2. قصور واضح في إيجاد مركز اتصال (Call Center) يعمل على مدار الساعة للرد على استفسارات المراجعين ليرشدهم إلى الإجراءات السليمة، عوضا عن الذهاب إلى الإدارة الحكومية، وهذا بالضبط حصل معي واضطررت للذهاب عدة مرات إلى مركز النافذة الواحدة بمنطقة إشبيلية لمجرد الاستفسار عن إجراء معين.
3. غياب فريق متابعة رسائل وإيميلات المراجعين والرد عليه، حيث يضع العديد من الجهات الحكومية إيميلاً للاستفسار، ولكنه ذو اتجاه واحد، بمعنى أن يرسل المراجع وينتظر الرد أياماً وأسابيع دون رد.
4. عدم مراجعة الدورة المستندية الإلكترونية (Process Reengineering) بفترات غير متباعدة لغرض تبسيطها، فوجود إجراء إلكتروني لا يعني عدم إمكانية تبسيطها، فمثلاً خطأ واحد في إجراء تقديم على رخصة عن طريق النافذة الواحدة يكلفك إعادة الإجراء من جديد.
5. عدم فتح الباب أمام الجمهور للتقدم باقتراحات وأفكار لغرض تطوير التطبيق وإجراءات تقديم الخدمات، وتخصيص فريق من الموظفين لمراجعة ما يتقدم به الجمهور، وإذا وجد، لا يكون ملائماً.
6. غياب تام للاستبيانات الدورية (كل سنة مثلاً) لقياس مدى رضا الجمهور عن الخدمات الحكومية الإلكترونية.
هذه الأمور تعتبر بدائية وأساسية لشركات القطاع الخاص بتعاملها مع الجمهور، فلم لا تكون كذلك عند الإدارات الحكومية التي تحتك بالجمهور؟!
وليسمح لي وزير التجارة وسائر الوزراء المشاركين في المؤتمر الصحافي، فإن تدشين مشروع الترخيص الموحد بحد ذاته لا يعد إنجازاً حقيقياً ما لم يتزامن مع رضا الناس عن إجراءاته، وكذلك تلافيه سلبيات التطبيقات والخدمات الحكومية الإلكترونية، مما ذكرناه آنفاً.