سؤال سأله ابني: لماذا نتزوج يا أبي وقد كثُرت المشاكل، وتعقّدت الحياة، وتغيرت أطباع البشر، وزادت أحمال التربية على الوالدين، وزاد العقوق وزاد الطلاق؟!

في الحقيقة هذا أكثر سؤال لم أسمع له إجابة صحيحة، فمنهم من يقول: حالنا حال الناس، أو هذه سنة الحياة، ومنهم من يقول: هذا شر لابد منه!

Ad

إن كنت مقتنعاً بإحدى هذه الإجابات، فلا تتزوج وأرح نفسك وغيرك، ولا تفتح نقاشا سقيما مع أحد.

يا بني... أولاً: الزواج ستر للمرأة والرجل وبيت مشترك وسكن، وهو أمان واستقرار إذا ظفرت بذات الدين والخلق. ثانيا: إن أهم مقاصد الزواج «الخلفة»، فهي امتداد لك في هذه الدنيا وسند، وذخر في الآخرة، إن كانت نيتك لله، فالابن الصالح يُكمل مسيرة أبويه فلا ينقطع عملهما، حتى إن لم تنجب ابناً صالحًا، وقد أخذت بالأسباب المقوّمة للتربية، فلن تؤثم «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ»، بل إنك تؤجر على صبرك وتعبك وتربيتك. قال علي - رضي الله عنه -: «كل مطيع يكال له كيلاً ويوزن له وزناً إلا الصابرين، فإنه يحثى لهم حثياً».

وأما الصبر على الفقد فهو أعظم عند الله، فموت الولد قبل أبيه شفاعة للأب، فقد جاء في الحديث: « إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك، واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه: بيت الحمد»، ومعنى ثمرة قلبه: كأنه لب اللب، خلاصة الفؤاد، لشدة علوقه بالقلب.

لذلك كان الزواج والخلفة في المفهوم الإسلامي مكسباً ورفعة لصاحبه في كل الحالات، فإن صلح الابن كان امتداداً لحسناتك، وقُرّة عين تأنس بها في الدنيا والآخرة «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، وجاء في الحديث: «إنَّ الرَّجلَ لتُرفَعُ درجتُه في الجنةِ فيقولُ: أنَّى هذا؟ فيقالُ: باستغفارِ ولدِك لكَ».

وإن لم يصلح، وعملت ما بوسعك لصلاحه، فلك الأجر والثواب. قال عليه الصلاة والسلام: «مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ « ومعنى جارِيَتَيْنِ: بنتين. فالصبر على التربية باب من أبواب الجنة، يقول الإمام الغزالي: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الغم بالعيال.

يا بني... هذا قرارك، إما أن تعيش أعزب طليقاً حرًا، مرتاح البال والخاطر، لا تشقى إلا بنفسك، تحوم حول راحتها لإسعادها في دار لم تخلق لهذا السبب، وإما أن تنوي الزواج بنية إعمار الأرض بالصالحين من نسلك، وتتقرب للجنة بهذه النية، تحوم حول أبوابها بجناحي الصبر والرجاء، عسى ربك أن يفتحها لك.