قالت وزيرة المالية إن «الدَّين العام» في آخر مراحله وسيُقر قريباً، ولنا في هذا الموضوع ثلاث وقفات:

الأولى: هي الحذر من استخدام مبلغ الدَّين في المصروفات الجارية، مثل سداد عجز الميزانية التي يشكّل الإنفاق الجاري فيها حوالي 90 بالمئة، لأن الوزيرة لم تبيّن أين سيُصرف مبلغ الدين الذي سيبلغ 20 مليار دينار، وأيضاً لم تكشف عن المشروعات التنموية التي سيتم إنفاق مبلغ الدين عليها، وهل ستحقق إيرادات مالية كفيلة بتغطية الدين وفوائده؟ وهل ستوفر هذه المشروعات فرصاً وظيفية حقيقية للشباب الكويتيين؟

Ad

ويؤكد هذا التخوف أن دولاً كثيرة دخلت في نفق الاقتراض وأساءت استخدام مبلغ الدين فتضاعفت الفائدة عليها، فأصبحت تلتهم معظم دخلها المالي، حتى أن دولة عربية كبرى تنفق 40 بالمئة من دخلها السنوي لخدمة فوائد الدين وليس الدين نفسه.

الوقفة الثانية: هي الناحية الشرعية، فقد نبهنا القرآن الكريم وحذرتنا السنّة المطهرة من خطورة الربا وعواقبه، وأنه يؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة، وأن الله يمحقه، فهل سيعقد الدين العام بفوائد ربوية؟ يجب ألا يخفى على الحكومة نص الدستور ومذكرته التفسيرية عن أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية بقدر الاستطاعة، ومن الخطأ الاعتماد على الحسابات العددية وإهمال الأحكام الشرعية. فهل أغلقت الأبواب أمامنا فلم يبقَ إلّا باب الربا؟ ألم تعانِ دول كثيرة من تراكم الربا المضاعف وراحت تعقد الاتفاقيات التي سمحت للدائنين بالتدخل في شؤونها الداخلية؟ أو لم يتم سحب أربعة ملايين منزل في أميركا بسبب فوائد الرهن العقاري عام 2008؟

الوقفة الثالثة: ليس من المصلحة أن يتم تراكم احتياطي الأجيال حتى بلغ أكثر من تريليون دولار (حسب ما تم إعلانه) دون استغلال اقتصادي حصيف، لأن هذا المبلغ الكبير سيسيل له لعاب الكثيرين، وسيكون عرضة للطلبات المختلفة من المنح والاقتراض وحتى الاستغلال والإرضاء السياسي، وهذا مُشاهد من تصريحات الرئيس الأميركي بحجة تكاليف الدفاع، كما أنه حدث في السابق في موضوعي المدفع الفرنسي والقرض الروسي، ومن المؤكد أنه سيكون عُرضة للضغوط والمطالبات السياسية لإعمار وتنمية دول أخرى، وأيضاً عرضة للسحب للإنفاق الجاري الداخلي غير المجدي.

وبناء على ذلك، فإن الأفضل هو أن يتم السحب المقنن من عوائد احتياطي الأجيال بعد تحديد وتجهيز المشروع الذي سيُنفق فيه المبلغ المسحوب، مع بيان كيف سيحقق المشروع إيرادات مالية تغطي هذا المبلغ وعوائده وكم عدد الفرص الوظيفية المتوقعة، أي وفق خطة تنموية دقيقة ومدروسة، إضافة طبعاً إلى ترشيد الإنفاق وضرورة تعظيم الإيرادات غير النفطية لمواجهة العجز في الميزانية.