كان من بين ما تناولناه في مقالين متتاليين يومي الأحد والاثنين من الأسبوع الماضي، جسور العبور والتحدي للمبادرة المصرية - العربية، (تعمير دون تهجير) إلى حل الدولتين، والمقومات الأساسية لهذه المبادرة في تحقيق هذه الغاية (حل الدولتين)، وأهمها المقاومة الفلسطينية المسلحة التي حققت هذه الانتصارات السبعة التي تناولناها في مقال أمس.

فالمقاومة الفلسطينية التي خاضت ملحمة طوفان الأقصى، هي الفاعل الأصلي في هذه الجولة من نضال الشعب الفلسطيني، وفي طرح القضية الفلسطينية من جديد على طاولة المجتمع الدولي، والتعمير ليس غاية في ذاته، ليصبح شعب غزة غريباً على أرضه، مهدداً بالفناء والهلاك في كل يوم من الآلة العسكرية الإسرائيلية، يعاني البؤس والشقاء، وفي بحر غزة ثروة من الغاز يمكن أن يعيش الشعب الفلسطيني، من خلال استخراجها وتصديرها إلى مصر وغيرها من دول الجوار، حياة كريمة، بدلاً من حياة الذلّ والشقاء التي يعيشها أبناء هذا الشعب، من العمل في دولة الاحتلال، ليكون نصيبه فتات الأيتام على موائد اللئام.

Ad

وقد كان من بين ما طرحناه من مقومات أساسية لنجاح المبادرة المصرية - العربية، مقومان أساسيان هما:

1 - إنشاء صندوق عربي إغاثي لفلسطين، دائماً وليس قصراً على إعمارها في إطار جامعة الدول العربية، يُغذّى ويُموّل من مخصصات مالية سنوية تخصصها الدول العربية بوجه عام والدول النفطية بوجه خاص، ومن التبرعات التي يتلقاها من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وغيرهما من منظمات إقليمية ومن دول العالم وشعوبه المساندة للقضية الفلسطينية، يفتح الصندوق حسابات في بنوك الدول كافة لهذا الغرض، لتبقى القضية الفلسطينية في وجدان العالم ووجدان هذه الشعوب.

ويمكن للدول النفطية والصناديق السيادية في هذه الدول أن تقوم بالاستثمار في فلسطين، من خلال ما يقدّمه لها هذا الصندوق من دراسات جدوى لمشروعات زراعية وصناعية وسياحية، أو من خلال ما تجريه هذه الدراسات للنهوض بفلسطين، ولتصبح «ريفيرا» عربية يرتادها الخليجيون وغيرهم من العرب، ليعيش الفلسطينيون على أرضهم حياة كريمة غير تلك الحياة التي يعيشونها في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

2 - قيام حكومة بيروقراطية في غزة والضفة الغربية بإدارة المرافق العامة في المنطقتين، تقوم إلى جانبها حكومة ظل من فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها «حماس»، فليس بالضرورة أن تمثل حكومة الظل المعارضة كما هي العادة في النظم الديموقراطية، بل يمكن أن تكون مساندة للحكومة البيروقراطية الانتقالية، في الخارج أو سفارة لها إلى أن تجرى انتخابات لمجلس تشريعي وحكومة تنبثق منه وتمارس جهودها لقيام دولة فلسطينية.

فالدور السياسي القادم لـ «حماس» وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية لا يقلّ أهمية عن دورها القتالي الذي حقق كل هذه الانتصارات للقضية الفلسطينية في المؤتمرات والمحافل الدولية والإقليمية ووسائل الإعلام المختلفة، من خلال إنشاء مكتب فلسطيني يمارس نشاطه في الدول التي صوّتت لمصلحة قرار الأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية بالمنظمة، وقد كان للمغرب مثلاً، مكاتب في بعض الدول قبل استقلاله، ومنها المكتب المغربي في مصر، وبتعاون هذا المركز مع الصندوق الإنمائي العربي السالف البيان في الجانب الإعلامي من نشاطه.

وعندما تقوم فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة، تعود «حماس» لممارسة دورها السياسي، على الأرض الفلسطينية.

ولنا أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمر المسلمين بالهجرة الى الحبشة، بعد اشتداد إيذاء قريش لهم، قائلاً لهم «سيروا إليها، فإن بها ملكاً لا تُظلمون عنده»، ثم قال لهم «إن الله سيجمعكم».

وبعد بيعات ثلاث من قبيلتَي الأوس والخزرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق في يثرب من المشركين إلا القليل، قال الرسول الكريم: «قد أخبرت نداء هجرتكم وهي بيثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها».

وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم، في مكة ينتظر الإذن له بالهجرة، وكان سيدنا أبوبكر، رضي الله عنه، قد استأذنه ليهاجر، فقال له: «لا تعجل، لعلّ الله يجعل لك صاحبا».

وفي هجرة الرسول الكريم وأبي بكر، التفت إلى مكة قبل أن يدخل الغار، وقال: «أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إليّ، ولولا أن المشركين أخرجوني ما خرجت».

وبعد عشرات الأميال، سارها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيدنا أبوبكر نزل قوله سبحانه «إن الذي فرض عليك القرآن لرادُّك إلى معاد» (سورة القصص: 85).

وجاء المعاد، وبر الرسول صلى الله عليه وسلم، بوعده للمهاجرين أن الله سيجمعكم يوم فتح مكة، وجاء نصر الله، والفتح المبين، فعاد المهاجرون إلى مكة.

فلا ضير من أن تكون هجرة «حماس» والفصائل الفلسطينية إلى بلاد لا يظلمون فيها إلى معاد، ليعود المجاهدون محتفلين بعيد نصرهم يوم أن تقوم الدولة الفلسطينية بجهادهم في الحرب على الأرض، وخاصة أن بقاءهم في غزة، في ظل الظروف العالمية والعربية المعقدة هي أكبر مكافأة وجائزة للعدو الصهيوني لاستباحة دم الشعب الفلسطيني كله، بمن فيهم المقاومة الفلسطينية، لتنتهي القضية الفلسطينية وتضيع فلسطين تحت سنابك طائرات العدو، التي تعربد في السماء العربية المفتوحة من اليمن إلى لبنان إلى سورية وهل من مزيد.

وانطلاقاً من هذا، فإن من شروط نجاح هذه المبادرة ونجاح هذه القمة، وحتى تتحقق للقرارات التي تتخذها القمة العربية شرعيتها بحضور المقاومة الفلسطينية هذه القمة شريكاً أساسياً لمنظمة التحرير الفلسطينية في تمثيل الشعب الفلسطيني، وقد أصبحت المنظمة لا تمثّل كل التراب الفلسطيني، ولتوحيد كلمة الشعب الفلسطيني في النضال ضد العدو الصهيوني، وقد تكون الدعوة الموجهة إليهما معاً بما يلم الشمل الفلسطيني هي الطريق الوحيد لرأب الصدع بينهما، وهو النجاح الأكبر الذي سوف تحققه القمة العربية رمية بغير رامٍ.