يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تشّد الرحال إلا إلى ثلاثة: المسجد الحرام في مكة، ومسجدي هذا، أي المسجد النبوي في المدينة، والمسجد الأقصى في القدس.
ورغم أنه - عليه السلام - قد نهى عن شد الرحال، عمداً، لزيارة القبور بنية التبرك بها وطلب العون من المدفون فيها، فإنه من المستحب لمن صلى في المسجد النبوي أن يقف أمام قبره، عليه السلام، ويسلم عليه، ويسلم على صاحبيه، الصدّيق أبي بكر، وعمر الفاروق، ويدعو لهما، لا أن يتبرك بهما، رضي الله عنهما وأرضاهما.
وبما أننا نتحدث عن قبر النبي، فقد ذُكر أن هناك عدة محاولات لنبشه، قام بأحدها مدّعي الربوبية الحاكم العبيدي، منصور بن نزار بن معد المصري، عازماً على نقله إلى مصر ليجعله فيها قبلة للحجيج، كان ذلك في سنة 1010م، إلا أن محاولته الأولى فشلت بعد أن أرسل الله على من أرسلهم ريحاً قوية دحرجت الإبل بأقتابها، والخيل بسروجها، فهلك معها كثير من الناس. أما محاولته الثانية فقد كُشفت عندما دخل الذي أراد نبش القبر من دار بقرب المسجد، إلا أن أنوارهم فضحتهم، فصاح صائح يقول: إن قبر نبيكم يُنبش، فقبضوا عليهم وقتلوهم.
أما المحاولة التي حدثت في سنة 1162، فقد كانت أكثرها غرابة وتفصيلاً، وكشفها السلطان الملك العادل نور الدين زنكي، عندما رأى في منامه النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: أنجدني، أنقذني من هذين، فاستيقظ فزعاً، ثم توضأ وصلى ونام، فرأى الحلم ثانية، فاستيقظ وتوضأ وصلى ونام، فرآه ثالثة، وعندها استيقظ وقال: لم يبق لي نوم.
ثم إنه خرج من فوره إلى المدينة المنورة وهو كاتم لأمره، وما إن وصل حتى اجتمع بأهل المدينة في المسجد ليوزع عليهم الصدقات، وكان السلطان يتأمل في كل من حضر إلا أنه لم يرَ من كانا بحلمه، فلما انفضت الناس سأل: هل بقي أحد لم أره؟ فقالوا له: لم يبق إلا رجلان مغربيان لا يتناولان من أحد شيئاً، وهما صالحان غنيان يوزعان الصدقات، ويكثران من الصيام والتعبد ودائما الزيارة للبقيع، فقال: علّي بهما، فما إن رآهما حتى عرفهما من فوره، فقال لهما: من أين أنتما؟ فادعيا أنهما حاجان من المغرب، فلم يصدقهما، فدخل بيتهما الملاصق للحجرة الشريفة فرأى فيه حصيرة فرفعها فإذا تحتها سرداب ينتهي صوب قبر الرسول.
اعترف الرجلان بأنهما نصرانيان بُعثا لسرقة جسد النبي الطاهر، فكانا يحفران ليلاً، ثم يرميان ما تجمع لديهما من التراب بين قبور البقيع، فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت، وحصل رجيف عظيم، حدث ذلك وقت مقدم السلطان صبيحة تلك الليلة، فبكى السلطان عندما رأى تأهيل الله له لكشف ذلك دون غيره، وأمر بضرب رقبتي الرجلين، ثم أمر بحفر خندق عظيم حول الحجرة الشريفة، ثم ردمه بالرصاص، حماية لها.