يتوجه الألمان اليوم إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات تشريعية، يترقب نتائجها الألمان والأوروبيون والعالم الغربي، لقياس مدى ارتفاع شعبية اليمين المتشدد في هذا البلد، الذي وقع في براثن النظام النازي، وتعهد بعد ذلك بعدم السماح بتكرار أخطاء الماضي. وقد تضاعف الاهتمام بالانتخابات الألمانية، بعد أن أخذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عاتقها الترويج لحزب «البديل من أجل المانيا» (AFD) اليميني المتشدد الذي يتهمه البعض بالتسامح مع النازية.

واختتم الأحزاب الألمانية أمس حملاتها الانتخابية في وقت تظهر آخر الاستطلاعات أن الحزب المسيحي الديموقراطي (CDU) بزعامة فريدريش ميرتس، وهو المرشح الأوفر حظاً ليكون مستشار ألمانيا القادم، وشريكه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU) سيفوزان بالانتخابات، في عودة سريعة للمحافظين إلى السلطة بعد نحو 4 سنوات من تخلي المستشارة انجيلا ميركل عن السلطة عقب 16 عاماً من توليها المستشارية متفوقة ببضعة أشهر على المستشار التاريخي هيلموت كول.

Ad

ورغم إجماع استطلاعات الرأي على فوز المحافظين فإنها تظهر أن تشكيل حكومة ائتلافية قد يكون تحدياً كبيراً، حيث لن يحقق التحالف المسيحي سوى أغلبية ضئيلة من الناحية الحسابية، ما يعني أنه سيضطر إلى تشكيل ائتلاف مع حزبين آخرين، وهو ما يعني أيضاً قدرة أقل على الأداء، وعدم استقرار أكبر على غرار الائتلاف الحاكم من يسار الوسط، الذي انهار قبل أشهر قليلة في ألمانيا، والذي كان يضم الحزب الاشتراكي الديموقراطي (SPD) بزعامة المستشار الحالي اولاف شولتس، وحزب الخضر، والحزب الديموقراطي الحر.

وتعطي الاستطلاعات حزب «البديل» بزعامة أليس فايدل، المدعومة من إدارة ترامب، نحو 20 في المئة من الأصوات مقابل خسارة تاريخية لليسار الديموقراطي بنحو 15 في المئة من الأصوات.

وفي تجمع انتخابي في ولاية شمال الراين-ويستفاليا غرب ألمانيا، حذر ميرتس «نحن نشهد تغييرا في الحكومة... قد يعيد رسم خريطة العالم تماما»، في إشارة إلى سياسات ترامب، وأكد أنه يتعين على ألمانيا أن تتولى المزيد من المسؤولية في الاتحاد الأوروبي مرة أخرى. وللقيام بذلك، قال إنها تحتاج إلى مزيد من القوة الاقتصادية وإنهاء الركود المستمر.

وكشف استطلاع للرأي أن أغلبية الألمان يرون أن تعزيز التضافر الأوروبي ينبغي أن يكون أهم مهمة في السياسة الخارجية للحكومة الألمانية الجديدة.

وفي الاستطلاع الذي أجراه معهد «فورسا» لقياس مؤشرات الرأي، بتكليف من مجلة «إنترناتسيوناله بوليتيك»، قال 57 في المئة من الألمان إن هذا الهدف ينبغي أن يكون الأولوية السياسية القصوى للحكومة الجديدة، بزيادة قدرها 5 نقاط مئوية عن استطلاع مماثل أجري نهاية عام 2023.

وبحسب الاستطلاع، يرى الألمان أن ثاني أهم أولولة بالنسبة للحكومة الجديدة ينبغي أن تكون زيادة القدرات الدفاعية لألمانيا (38 المئة).

وأثار نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس صدمة عندما انتقد ما اسماه قمع حرية التعبير في أوروبا، أمام مؤتمر مونيخ للامن. وكان فانس يشير بشكل واضح الى استراتيجية «الطوق العازل» المفروضة على اليمين المتشدد في المانيا، لمنعه من اعادة انتاج ظروف وصول النازيين إلى الحكم عبر الانتخابات الديموقراطية ثم الاستيلاء على البلد وزجه بمغامرات ايديولوجية وحربية خاسرة.

وفي الوقت نفسه تثير الانتخابات في ألمانيا ترقبا شديدا بين المسؤولين الأوروبيين. وقال دبلوماسي أوروبي «أحيانا نخشى الزعامة الألمانية، لكن من الصعب أن نعيش بدونها»، ملخصا بذلك الوضع السائد بين قادة بروكسل الذين ينتظرون بفارغ الصبر نتائج الاقتراع.

وأوضح يان فيرنرت من معهد جاك دولور أن الثنائي الألماني الفرنسي الذي يشكل عادة محرك المشاريع الأوروبية الكبرى، عاجز منذ عدة أشهر عن «العمل واتخاذ قرارات كبرى» في حين «ثمة حاجة أكبر من أي وقت مضى إلى ذلك».

وأشار في هذا الصدد إلى تهديدات ترامب، والحرب في أوكرانيا التي تشهد تطورات تثير قلق الكثير من الأوروبيين، وضرورة تحفيز التنافسية في القارة.