ردّ الاتحاد الأوروبي، أمس، على اتهامات الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه «دكتاتور»، وذكره بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يرغب ترامب بشدة في توقيع اتفاق معه ينهي حرب أوكرانيا ولو بصفقة على حساب كييف، هو «الدكتاتور»، في خطوة تظهر اتساع الشرخ بين الحلفاء على ضفتي الأطلسي، مما يعقد جهود إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي ستيفان دي كيرسمايكر للصحافيين: «أوكرانيا ديموقراطية، روسيا برئاسة (فلاديمير) بوتين ليست كذلك». وأثارت انتقادات ترامب للرئيس الأوكراني مخاوف في أوروبا من أن تتخلى واشنطن عن حليفتها كييف لتأمين اتفاق سريع مع موسكو.
ويصر الاتحاد الأوروبي على أن أوكرانيا وأوروبا يجب أن تكون لهما كلمة في أي مفاوضات. وقال دي كيرسمايكر: «لا يمكن أن يكون هناك حل لأوكرانيا من دون مشاركة أوكرانيا، ولا دون مشاركة الاتحاد الأوروبي»، مضيفاً أن «أمن أوكرانيا هو أمن الاتحاد الأوروبي».
وأعرب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن دعمه للرئيس زيلينسكي خلال مكالمة هاتفية يوم أمس الأول عقب تصريحات ترامب. وذكرت وكالة الأنباء البريطانية (بي إي ميديا) أن المتحدث باسم الحكومة قال إن ستارمر أوضح دعمه لزيلينسكي «كزعيم أوكرانيا المنتخب ديمقراطياً»، وقال إنه من «المعقول تمامًا تعليق الانتخابات خلال وقت الحرب، مثلما فعلت المملكة المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية».
جاءت تصريحات ترامب القاسية بعد أن قال زيلينسكي إن ترامب يعيش في «فضاء من التضليل» الروسي، رداً على قول الرئيس الأميركي بأن أوكرانيا هي من تسببت بالغزو الروسي لها. كما قال زيلينسكي إنه يود أن يكون فريق ترامب «أكثر صدقاً». ورداً على القول بأن 90% من المساعدات التي حصلت عليها أوكرانيا جاءت من الولايات المتحدة، قال زيلينسكي إن 34% من أسلحة الجيش الأوكراني صناعة محلية، وإن أكثر من 30% من الدعم يأتي من أوروبا، ويبدو أن هذه التصريحات أثارت غضب ترامب.
وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد ترامب زيلينسكي وأشار إلى حقيقة أن أوكرانيا أرجأت الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في أبريل 2024 بسبب الغزو. كما وصف ترامب زيلينسكي بأنه «كوميدي ناجح إلى حد ما» «أقنع الولايات المتحدة الأمريكية بإنفاق 350 مليار دولار للدخول في حرب لا يمكن كسبها، ولم يكن من المفترض أن تبدأ أبداً، لكنها حرب لن يتمكن أبداً من تسويتها بدون الولايات المتحدة و»ترامب».
وواصل الرئيس الأميركي منشوره بالقول إن الشيء الوحيد الذي كان زيلينسكي «جيداً فيه هو التلاعب ببايدن»، ونصحه «بالتحرك بسرعة وإلا فلن يتبقى له بلد».
وجاءت هذه التطورات المتسارعة بعد أن عقد وزيرا خارجية روسيا والولايات المتحدة ومسؤولون كبار في الدولتين محادثات في المملكة العربية السعودية لتحسين العلاقات الثنائية والتفاوض على إنهاء الحرب، مع احتمال الإعداد لعقد اجتماع بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بعد سنوات من العلاقات السيئة بين موسكو وواشنطن. وتباينت التقييمات حول نتائج الاجتماع. ورأى خبراء أن النتائج متواضعة، وأن التوتر الذي أثاره الاجتماع قد يعقد عملياً جهود إنهاء الحرب، خاصة إذا كان الحديث عن صفقة «تبيع من خلالها واشنطن أوكرانيا لبوتين»، غير أن ترامب وبوتين أشادا بالمحادثات واعتبرا أنها ناجحة جداً.
الكونغرس يتفاعل
وكانت للحرب الكلامية والاتهامات المتبادلة بين ترامب وزيلينسكي وقعها داخل أروقة مجلس الكونغرس الأميركي، وخصوصاً لدى النواب الجمهوريين المتعاطفين مع كييف الذين سعوا إلى حد كبير في تصريحاتهم حول التطورات ما بين ترامب وزيلينسكي إلى تجنب الصراعات مع البيت الأبيض، مع دعوات لإفساح المساحة للرئيس ترامب للسعي إلى تحقيق اختراق في الحرب الطاحنة التي تدخل في الـ 24 من فبراير الحالي عامها الرابع.
وأوضح السيناتور توم تيليس، وهو جمهوري من ولاية كارولينا الشمالية، الذي زار أوكرانيا برفقة اثنين من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، في تصريحات للصحافيين: «أنا قلق بشأن أي أمر من شأنه أن يسمح في النهاية بوجود تكافؤ أخلاقي بين زيلينسكي وبوتين».
في المقابل، تجنب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ جون ثون، وهو جمهوري من ساوث داكوتا، التطرق بشكل مباشر إلى تعليقات ترامب، وقال إن ما يؤيده هو «نتيجة سلمية في أوكرانيا».
الكرملين
وبعد أن رحب مجدداً بتصريحات ترامب مشيداً بالإهانات التي وجهها لزيلينسكي، قال الكرملين أمس إن أي خطة بريطانية لإرسال قوات إلى أوكرانيا في إطار مهمة حفظ سلام محتملة ستكون غير مقبولة بالنسبة لروسيا، مضيفاً أنه يتابع بقلق تصريحات رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. كان ستارمر قد قال إنه «مستعد وراغب» في نشر قوات بريطانية على الأرض في أوكرانيا كضمان أمني في حالة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين موسكو وكييف. وذكرت صحيفة «تيليغراف» أن ستارمر يخطط لطرح خطة على ترامب لإرسال أقل من 30 ألف جندي أوروبي إلى أوكرانيا مقابل الحماية الأميركية للقوات.
وأكد الكرملين أنه قرر مع واشنطن استئناف الحوار في «كل المجالات». وأضاف أن الإدارة الأميركية السابقة كانت تريد محاربة روسيا حتى آخر أوكراني، والآن النهج تغير.
إمبراطور أم ملك
وفيما استضافت جنوب إفريقيا، أمس، اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة العشرين في جوهانسبرغ على مدى يومين، قاطعها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بسبب «أنشطة معادية لأميركا». قال الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا، وهو رمز يساري كبير في أميركا اللاتينية، إن ترامب يطرح نفسه كـ «إمبراطور العالم». وشبه ترامب نفسه بـ «الملك» في منشور على منصته «تروث سوشل»، في أعقاب قرار إدارته بإلغاء تعرفة مرورية تتعلق بالسائقين في مدينة نيويورك.
وظهر ترامب، وهو يرتدي تاجاً ملكياً، فيما يشبه الإطار غلاف مجلة «تايم» الشهيرة، وكتب: «لقد انتهى نظام تسعير الازدحام. تم إنقاذ مانهاتن، وكل نيويورك. عاش الملك!». بعد ذلك، شرع البيت الأبيض في مشاركة الاقتباس مصحوباً بالصورة التي يظهر فيها ترامب مبتسماً على غلاف مزيف لمجلة «تايم» وهو يرتدي تاجاً ذهبياً، وخلفه أفق مدينة نيويورك.