مع تحذيره من مغبة بقاء قانون المرافعات على ما هو عليه، بما يتضمنه من منع صدور أمر ضبط وإحضار بحق المدينين طبقاً لما نص عليه قانون الإفلاس، كشف رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة الدستورية رئيس محكمة التمييز السابق المستشار يوسف المطاوعة، أن نحو مليون و470 ألف دائن لم يستوفوا حقوقهم كاملة، وذلك حسب إحصائية صادرة عن وزارة العدل ومعلومات وردت إليه.
وقال المطاوعة، في حوار مع «الجريدة»، إن قوة الأحكام القضائية تبقى في تنفيذها الذي لابد أن يكون بقوة القانون، موضحاً أنه قبل صدور «الإفلاس» كانت نسبة تنفيذ الأحكام مرتفعة، وكانت الأمور مستقرة.
وأكد أن مَن بيده العملية التشريعية يجب أن يكون لديه بُعد نظر وإحاطة بجميع عناصر التشريع، أما أن تتم العملية بما يشبه العشوائية بكل أنواعها، فإن ذلك ينعكس بالضرورة على الأحكام القضائية ويُفقدها هيبتها، وإذا فقد الحكم القضائي هيبته فلاشك أن ذلك سيؤثر على هيبة القضاء والسلطة القضائية وثقة الناس بأحكامها.
وأضاف «وهنا نعود إلى النقطة الأولى، وهي أن القانون يحتاج إلى إعادة نظر، فالحاجة الآن أصبحت ملموسة ليس فقط إلى إعادة هيبة الأحكام القضائية، وإنما أيضاً إلى ضرورة اقتضاء الدائنين لديونهم، فأصبح واجباً النظر إلى تعديل التشريع بقصر منع حبس المدين على مَن ينطبق عليهم قانون الإفلاس فقط، وما عداهم يعاد إلى النص السابق أو الباب الخاص بحبس المدين أو منعه من السفر بالمواد التي نص عليها قانون المرافعات».
وطالب المطاوعة بربط كل المعاملات آلياً، بحيث يمنع المدين من التصرف في أبسط أموره ما لم يؤدِّ حقوق الآخرين، لاسيما بعد أن أصبح «القيد الإلكتروني أشد على الناس من القيد الحديدي».
من جهته، أكد رئيس قسم القضايا الإدارية والدستورية في مكتب أركان للمحاماة المستشار علي الثويمر، الذي كان يشغل عضوية المكتب الفني في إدارة الفتوى والتشريع، أن إشكالية القانون بوضعه الحالي تكمن في عدم قدرة الدائن على تحصيل أمواله الثابتة بحكم قضائي، مما ترتب عليه تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية ليصبح التنفيذ بيد المدين، لا الدائن.
وتابع الثويمر «إن كانت غاية إصدار هذا القانون نبيلة، فهي تدعونا إلى حث المشرع على إيجاد بدائل لنظام الضبط والإحضار الذي أُلغي بموجب قانون الإفلاس، وأهمها تطوير آليات الحجز على أموال وأملاك المدين، وتعقب أمواله، وإيجاد آليات معينة مثل فض غرامة التأخير على المدين، بحيث يضمن المشرع حق الدائن في استيفاء حقه، ويضمن الغاية النبيلة، التي توخاها من تعديل القانون الذي بمقتضاه تم إلغاء قواعد الضبط والإحضار الواردة في قانون المرافعات».
وفي تفاصيل الخبر:
مع تحذيره من مغبة بقاء وضع قانون المرافعات على ما هو عليه، بما يمنع صدور أمر ضبط وإحضار بحق المدينين، كشف رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة الدستورية رئيس محكمة التمييز السابق، المستشار يوسف المطاوعة، عن أن مليوناً و470 ألف دائن لم يستوفوا حقهم بالكامل عام 2023، استناداً إلى إحصائية صادرة من وزارة العدل.
وقال المطاوعة، في لقاء مع «الجريدة»، إن قوة الأحكام تبقى في تنفيذها، كما أن الأحكام القضائية تحتاج إلى تنفيذها بقوة القانون، أي إيجاد الوسائل التي تكفل ما انتهى إليها الحُكم القضائي من إلزام، و«لنا شواهد كثيرة على ذلك، منذ نشأة الإدارة العامة للتنفيذ، التي كانت تقوم بدور كبير جداً في تنفيذ جميع الأحكام التي تصدر من المحاكم، وكانت نسبة تنفيذها مرتفعة جداً، لأن قانون المرافعات أفرد في باب خاص (منع السفر وحجز مال المدين)، فضلاً عن نصوص تتيح للإدارة العامة للتنفيذ اتخاذ كل الإجراءات التي تكفل تنفيذ الحُكم إلى نحو ما انتهى إليه المنطوق».
بُعد نظر
وأضاف المستشار المطاوعة: «قبل صدور قانون الإفلاس، كانت نسبة تنفيذ الأحكام مرتفعة، والأمور مستقرة، وهنا يجب أن نتطرَّق إلى موضوع مهم، وهو ضرورة أن مَنْ بيده العملية التشريعية أن يكون لديه بُعد نظر، وإحاطة بكل عناصر التشريع»، مشدداً على أن «عملية التشريع ليست هينة، ولا مجرَّد كتابة نصوص، لكنها عملية تستشعر الواقع بشكل أساسي، وتضع الحلول بمشكلات تم رصدها».
وتابع: «أن تتم العملية بما يشبه العشوائية، بكل أنواعها، وما يمثل ذلك من انعكاس خطير على روح التشريع، فذلك ينعكس بالضرورة على الأحكام القضائية، بما يفقدها هيبتها، وإذا فقد الحُكم القضائي هيبته، فلاشك في أن ذلك يؤثر على هيبة القضاء والسُّلطة القضائية، وثقة الناس بأحكامها، بما يزعزع بشكل واضح إحدى السُّلطات التي نصَّ عليها الدستور، باعتبار السُّلطة القضائية حامية للأموال والحريات».
وأردف: «هذا لا يعني أن المشرِّع عندما أصدر قانون الإفلاس كان يقصد هذا الأمر بشكل أساسي، لكنه كان يعالج الإفلاس كمشكلة تحتاج إلى حل، حتى يحتفظ الاقتصاد الكويتي بقوته وزخمه، عبر إيجاد حلول للمُفلسين والشركات المُفلسة، والتعافي من المشكلة التي وقعوا فيها نتيجة الإهمال أو التفريط، ورأى المشرِّع أن منع سفر المدين وحبس المفلس ربما لا يعمل لمصلحة دائنيه، ويصعب عليه التعافي من المشكلة التي وقع فيها، لأن حبس المُفلس، بلا شك، يغل يده بشكل كبير عن ممارسة التجارة والعمل على إعادة نشاطه التجاري السابق، لذلك كان يفترض ألا ينص قانون الإفلاس على عدم حبس المُفلس من غير الفئات الأخرى من مدينين عاديين، لكن المشرِّع الذي كان يفترض أن يكون حصيفاً ومُلماً بالواقع ألغى الباب الخاص بحساب المدين الوارد في قانون المرافعات، ما تسبَّب في انخفاض كبير بنسبة تنفيذ الأحكام، وأدَّى معه إلى نوع من إضعاف الأحكام القضائية».
وقال المطاوعة: «نعود إلى النقطة الأولى، وهي أن القانون يحتاج إلى إعادة نظر، والحاجة الآن أصبحت ملموسة، ليس فقط في جانب إعادة هيبة الأحكام القضائية، بل أيضاً في اقتضاء الدائنين لديونهم، فهناك نسبة كبيرة من الدائنين الآن لا يتمكنون من استيفاء ديونهم، والإدارة العامة للتنفيذ غير قادرة على إجبار المدينين للوفاء بها، فأصبح الأمر واجباً أن ينظر إلى تعديل التشريع بقصر منع حبس المدين على مَنْ ينطبق عليهم قانون الإفلاس، وما عداهم يُعاد إلى النص السابق، أو الباب الخاص بحبس المدين أو منعه من السفر من المواد التي نص عليها قانون المرافعات».
وكشف المطاوعة، وفق ما وصله من إحصائيات ومعلومات، عن أن الإدارة العامة للتنفيذ قامت بحوالي مليون و470 ألف أمر منع سفر، وفقاً للتقرير الصادر من وزارة العدل خلال عام 2023، وهذا الرقم خلال عام واحد فقط، وهو رقم بلا شك كبير، وهذا أقصى ما استطاعت أن تقوم به، بما يعني أن مليوناً و470 ألف دائن لم يستوفوا حقهم بالكامل.
جانب إنساني
وأضاف: «ما نشهده من قيام بعض المؤسسات المالية والبنوك، جزاهم الله خيراً، بسداد بعض ديون الدائنين عن بعض المدينين، ويزعمون أنهم معسرون، هو بلاشك جانب إنساني رفيع، لكن هذا الجانب يصطدم مع جانب آخر، وهو أن الأحكام القضائية لا تُنفذ بالإحسان، وكأنك مُحسن ومتفضل، بل هو حق سُلب أو ضاع من الآخرين، ويجب أن أستوفيه وفق القانون، ولا أنتظر جهة معينة تسدد عن فلان، فهذا في جانب منه إضعاف لهيبة القضاء والأحكام القضائية».
وتابع: «القاعدة القانونية إضافة إلى أنها عامة ومجرَّدة، يجب أن تكون مُلزمة وجدية، وإلا كما يقولون (شمس لا تضيء... لا تحرق)، والحُكم إذا لم يكن فيه إلزام، والتشريع إذا لم يكن فيه من الوسائل التي تكفل بشكل تام استيفاء حقوق الناس، فهو بلا شك يشوبه شيء من الضعف والوهن، وتختلف الأمور من بلد إلى آخر، ومن مكان إلى مكان، وربما حبس المدين أشد من منعه من السفر، وفي جانب آخر منعه من السفر أشد من ضبطه وإحضاره والحجز على أمواله».
وأكد أنه «حتى نصل إلى تشريع أو وسيلة تناسب المجتمع ذات فائدة، يجب علينا رصد الاتجاهات التي اكتشف عنها التطبيق العملي، والتي تؤدي إلى التهرُّب من سداد المديونيات أو الضعف في تنفيذها، سواء بالرجوع إلى تطوير العنصر البشري أو التشريع، لسد الخلل، أو إيجاد كثير من وسائل التنفيذ الأخرى».
ربط المعاملات آلياً
وأوضح أنه في مقارنة مع الدول الأخرى، فإن كثيراً من الإجراءات التي تُتخذ تجبر المدين على المبادرة بسداد الدَّين، وهناك دول لا يمكن إجراء أي معاملة إلا بعد سداد الدَّين، سواء للأفراد أو الجهات الحكومية، من خلال ربط كل المعاملات بشكل آلي، بحيث تمنعه حتى من التصرف في أبسط أموره ما لم يؤدِّ حقوق الآخرين.
واختتم المطاوعة: «أعتقد أن منع السفر والضبط والإحضار والحبس وسائل تؤدي إلى تنفيذ الأحكام، لكن ذلك لا يمنع أن نفكر في وسائل أخرى، واليوم أصبح القيد الإلكتروني أشد على الناس من القيد الحديدي، وهذا جدير أن ينفذ بالأحكام الخاصة بالقضايا المالية، إضافة إلى عامل السرعة أو العمل على تسريع تنفيذ الأحكام بالصورة التي صدرت فيها، وهذا يؤدي بلاشك إلى نتائج طيبة. الناحية التشريعية متاحة، وربما يكون سبيلها أسهل من غيرها، وتنطلق فقط من مقتضيات المصلحة العامة دون النظر إلى مصالح الأمور الأخرى، وهذا يسهل عملية التشريع، ويختصر مراحلها».
الثويمر: الدائن بات عاجزاً عن تحصيل أمواله الثابتة بحُكم قضائي... وتنفيذ الأحكام معطَّل
أكد رئيس قسم القضايا الإدارية والدستورية في «أركان»، الذي كان يشغل عضوية المكتب الفني في إدارة الفتوى والتشريع، المستشار علي الثويمر، لـ «الجريدة»، أن المشرِّع في قانون 71/ 2020 أجرى تعديلاً على قانون الإفلاس 68/ 1980 مقرراً فيه عدم جواز المفلس، والمشرِّع لم يكتفِ بهذا الأمر، بل مد نطاق التعديل، ليشمل إلغاء إجراءات الضبط والإحضار الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية 38/ 1980، وترتب على هذا التعديل إشكالات في الواقع العملي.
وأورد إشكالية القانون في عدم قدرة الدائن على تحصيل أمواله الثابتة بحُكم قضائي، وما ترتب عليه من تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية، فأصبح التنفيذ بيد المدين لا بيد الدائن، وإن كانت الغاية من إصدار هذا القانون نبيلة، فهي تدعو إلى حث المشرِّع على إيجاد بدائل لنظام الضبط والإحضار الذي تم إلغاؤه بموجب القانون 71/ 2020، أهمها تطوير آليات الحجز على أموال وأملاك المدين، وتعقب أمواله، وإيجاد آليات معينة، مثل فرض غرامة التأخير على المدين، بحيث إن المشرِّع يضمن حق الدائن في استيفاء حقه، ويضمن الغاية النبيلة التي توخاها من تعديل القانون الذي بمقتضاه تم إلغاء قواعد الضبط والإحضار الواردة بقانون المرافعات.
مشاكل الضبط والإحضار
وأوضح أن المشاكل الناجمة عن وجود نظام الضبط والإحضار من الممكن أن تهدد الأسرة بكيانها، خصوصاً إذا كان المدين الأب أو الأم في بعض الحالات، وإذا كان هدف المشرِّع حماية الأسرة بمنع الضبط والإحضار للمدين، فكان يجب عليه أيضاً استقرار المعاملات في المجتمع، من خلال حفظ حقوق الدائنين أياً كانوا، وأيضاً في المقابل الدائنون لديهم التزامات أسرية وعائلية كان من المفترض على المشرِّع الموازنة بين هذين الأمرين، بحيث لا يلغي الضبط والإحضار في المجمل، وفي الوقت نفسه يراعي الحالات الإنسانية، مع إيجاد نظام بديل لهذا الأمر يحفظ التوازن بين المدين والدائن».
وتابع الثويمر: «في الفترة السابقة عطَّل إلغاء الضبط والإحضار تنفيذ الأحكام القضائية، وأصبح التنفيذ بيد المدين الذي صدر ضده حُكم قضائي، وبات الدائن عاجزاً عن اقتضاء حقه، وأصبحت الجهات المعنية بالتنفيذ لا تتوافر لديها الأدوات اللازمة لإجبار المدين على الوفاء بالتزاماته».
وقال إنه بإمكان المشرِّع الاطلاع على تجارب الدول الأخرى، وتوجد عدة وسائل بالواقع العملي يمكن أن تثبت نجاحها، أهمها وضع أنظمة حديثة بديلة لنظام الضبط والإحضار الوارد في قانون المرافعات، منها تعقب أموال المدين، وبيان حالته المالية عن طريق الربط مع جهة عمله وحساباته البنكية وإدارة التنفيذ، وأيضاً وجود نظام حديث لضمان حجز أموال المدين وممتلكاته، بحيث لا يخل بقدرة المدين على الوفاء بالتزاماته الأسرية، وبذات الوقت يكفل حق الدائن في استيفاء حقوقه.