هناك آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وأقوال، وحكم كلها توصي، بل في بعضها تأمر، بأخذ جانب الحيطة والحذر، وهناك أمثال تطلق على شديد الحذر. إنها خصلة حسنة للحَذر في بعض الأمور التي يجب أن يحسب فيها حساب عواقبها.

فـ«أَحْذَرُ مِنْ غُرابٍ»، مثل عربي قديم فيه حكمة رمزية قيلت في الحَذِر، وهي عبارة عن حوار خيالي دار بين غرابين، فقد قال غراب لابنه محذراً وناصحاً: يا بني إذا رُمِيتَ فَتَلَوّصْ، أي تَلَوَّ، مدعياً أنك أصبت، فردّ الغراب الابن: يا أبتِ إني أتَلَوَّصُ قبل أن أُرْمَى، وهذا رد في غاية الذكاء والفطنة، ويدل على أن من شابه أباه فما ظلم.

Ad

وهناك مثل آخر شبيه به، كقول: «أَحْذَرُ مِنْ ذِئْبٍ»، فقد قالوا إن الذئب ولشدة احترازه فإنه يُرَاوح بين عينيه إذا نام، فيجعل إحداهما مُطْبقة نائمة، والأخرى مفتوحة حارسة، بخلاف الأرنب الذي ينام مفتوحَ العينين، لا من احتراز، ولكن خِلْقة، وهناك شاعر قال في حَذَر الذئب:

ينام بإحدى مُقْلَتَيْهِ، ويتقي

بأخْرَى المَنَايَا فهو يَقْظَان هَاجِعُ

وقالوا أيضاً: «أَحْذَرُ مِنْ ظَلِيمٍ»، وهو ذكر النعامة، حتى قيل إنه يكون على بَيْضِه فَيَشَمُّ ريح القانص من غَلْوة فيأخذ حذَره، فقال أحدهم في ذلك:

أشَمُّ مِنْ هَيْقٍ * وأهْدَى مِنْ جَمَلْ

والهيق هنا هو أيضاً ذكر النعام، وقديماً نصحوا محذرين من عدة أمور، فقالوا: كن على حذر من الكريم إذا أهنته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته.

ولأهمية الحذر فقد وردت تلك الكلمة ومشتقاتها في القرآن قرابة اثنتين وعشرين مرة، ومنها قوله تعالى، وهو يأمر لا يطلب، بأخذ الحذر: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾، و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾. الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال محذراً: لعنةُ الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وهو تحذير من أن يصنعوا ما صنعه غيرهم.

وقيل: احذر الأحمق واحذر وُدَّهُ إنما الأحمق كالثوب الْخَلَق، واحذروا من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره، فالمؤمن كيس فطن، يجمع بين حسن الظن والحذر مما يضره، وكما قال سيدنا عمر رضي الله عنه: لست بخبٍ ولا الخب يخدعني، والخب هنا هو الخدّاع.

ولكن، ومع ذلك، فالحذر لا يقي من القدر، فلنقل: قدر الله وما شاء فعل، وكفى.