نعم، الكويت بحاجة ماسَّة إلى إنقاذ المنظومة التعليمية من الانهيار، وذلك وفق ما كشف عنه وحذَّر منه خبراء التعليم والمهتمون به بأن مخرجات التعليم السيئة تشير إلى أن التعليم دخل دائرة الخطر الفعلي الحقيقي.
لقد كتبنا، وكتب غيرنا، عن تدني المُخرجات التعليمية، وحذَّرنا بأن الأمم تنهض بشبابها الناضجين الملتزمين المتعلِّمين، وتتقهقر علمياً وأداءً وتطوراً عندما يتدهور التعليم فيها.
وكما لاحظنا، ولاحظ غيرنا من اختصاصيين ومهتمين بالتعليم، كم هي ضحلة معظم مُخرجات المؤسسات التعليمية في الكويت مقارنة بمعظم الأمم، بعد أن كانت من الأفضل، رغم ضخامة الميزانيات التي صُرفت عليها على مدى عقود.
فميزانية وزارة التربية تضاعفت أربع مرات خلال الـ 20 سنة الماضية، إلا أن ذلك لم يكن من أجل تطوير التعليم ومؤسساته، وتزويده بما تفتقت عنه التكنولوجيا العالمية، بل كانت من أجل زيادة الرواتب والمكافآت، التي استحوذت على 82 في المئة من إجماليها، فارتفعت من 486 مليون دينار تقريباً في سنة 2003 إلى أكثر من 2.2 مليار دينار في سنة 2023. تلك الميزانيات المهولة قابلها فشل ذريع، وتزايد في التسيُّب، وانحدار تعليمي لا تُخطئه العين، وكان مردود إنفاق ما تجاوز الـ 29 مليار دينار على مدى العشرين سنة الماضية نتائج هي الأسوأ في تاريخ التعليم في الكويت، بعد أن وصل الفساد إليه مع زيادة الغش، ووجود مَنْ دافع عنه، وانتشار ظاهرة التفوق الزائف، وتكدُّس المدارس بمدرسين شهاداتهم مضروبة، وتسيُّب، بعد أن كشفته ضوابط البصمة.
دُعمت الكوادر مالياً، ووزعت أموال هائلة على عشرات الآلاف، بحجة أعمال ممتازة لم تنهض بالتعليم قيد أنملة، فلا يزال مستوى التعليم دون الطموح، مقارنة بالمؤشرات العالمية والإقليمية، مما جعل الكويت تتذيل القوائم الدولية في جودة التعليم.
د. رواء الجارالله، المتخصصة في التعليم، ذكرت في مقابلة لها مع المبدع أحمد محمد البرجس معلومات صادمة ومخيفة، فقد بينت الفرق الشاسع بين الوضع التعليمي في الكويت مقارنة مع غيرها، قائلة: لم يكن الفارق فقط في جودة التعليم المفقودة أصلاً، بل في المدة التعليمية التي يقضيها الطالب عندنا حتى تخرجه في الجامعة، التي هي ست سنوات لا غير، مقابل المعدَّل العالمي الذي يبلغ حوالي 15 سنة دراسية حتى التخرُّج. طبعاً السبب واضح، وهو كثرة الإجازات، والمرضيات، والغياب، والتهرُّب من الدروس والتدريس.
الأسوأ من كل ما ذَكَرَت الجارالله، هو الاستهانة والاستهتار بأهمية تعليم اللغة العربية، لغتنا الأم، فهي أيضاً الأسوأ عربياً، فعدد ساعات تعلُّم اللغة العربية في الكويت حوالي 200 ساعة، وعالمياً تبلغ ما بين 350 و380 ساعة، وذَكَرَت أن هناك مَنْ بلغ عُمرهم 10 سنوات ولا يعرفون القراءة ولا التعبير كتابة.
نعلم أن الوزارة بهدف الاستفادة من التجارب العالمية في الدول المتقدمة، مثل: فنلندا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، لكنه عمل يحتاج إلى سنوات لتخرج محاسنه إلى النور.