زارتني مريضة مصابة بسرطان الثدي ترفض أن تعالجه بالطرق الحديثة، مثل الجراحة أو الإشعاع، وتصمم على علاجه بالطب البديل، وأسهبتُ في شرح خطورة ذلك مستخدماً قصة حقيقية عندما كنت مسؤولاً في مركز مكي جمعة للسرطان، وتوجد به سيدة متعلمة، مدرسة، تحمل معها كارثة طبية، فهي مصابة بسرطان الثدي، لكن رفضت العلاج الحديث، متجنبة الجراحة والعلاج الكيميائي، وبدلا من ذلك جربت جميع أنواع الطب البديل، من الحجامة إلى الأعشاب، بل حتى العلاجات الروحانية. عندما وصلت إلينا، كان الورم بحجم ثمرة البطيخ، منتشراً في كامل جسدها. لم يكن بوسعنا فعل شيء، لقد ضيّعت وقتا ثمينا في البحث عن حلول غير مثبتة، والنتيجة كانت مؤلمة.
المؤسف أن هذه الحادثة ليست فردية، بل تعكس مشكلة شائعة في عالمنا العربي وكل العالم، لذا دعونا نستكشف بموضوعية حقيقة الطب البديل، التكميلي، والشعبي: فوائده، مخاطره، والمعايير العلمية التي ينبغي اتباعها عند التعامل معه.
الطب التكميلي أو الطب البديل أو الطب الشعبي هي أنواع منتشرة منذ القدم ولها استخدامات كثيرة جدا، وتستخدم في معظم دول العالم، ولكن لكل دولة تقاليدها وأهدافها طبقا لظروفها وإمكاناتها ومستوى التعليم والثقافة بها، فهو يستخدم في الدول النامية والفقيرة بسبب سهولة إتاحته واستخدامه وانخفاض تكاليفه وانتشار المعالجين الشعبيين بدون تعليم متخصص. أما في الدول المتقدمة والغنية، ومنها الكويت، فيكتسب «الطب الشعبي أو المكمل» أهميته، حيث يظن غالبية الناس أنه يستخدم منتجات طبيعية ليس لها أي تأثير سلبي أو مضاعفات جانبية بسبب المكونات الكيماوية، وهذا وهم كبير يجب الحذر منه، فحتى الأعشاب الطبيعية يوجد منها الضار بل وحتى السام أو القاتل.
ولهذا يوجد الآلاف من الأطباء والعلماء الذين يحذرون من خطورة الطب البديل أو التكميلي حين يستخدم بدون علم معترف به أو أدلة أو براهين أو بدون أي قواعد منظمة أو توجيهات حاكمة، بل أصبح أسيرا للفوضى العارمة والتسويق المضلل. وتشترط المؤسسات العلمية لدمج هذه الأنواع في صلب الرعاية الصحية أن تستند إلى الأدلة العلمية والبراهين الطبية كغيرها من أساليب العلاج الحديث، ومن هؤلاء منظمة الصحة العالمية وجامعة هارفارد الشهيرة التي تسمح فقط باستخدام الطب البديل كجزء من خطة شاملة تُشرف عليها فرق طبية متخصصة، وأن يخضع لنفس أساليب التقييم والدراسات الإكلينيكية الموثقة.
بداية وللتبسيط نقصد هنا بالطب الحديث أنه الطب الحالي الذي يستخدمه الأطباء المرخص لهم في التشخيص والعلاج وفقا للأصول الطبية المرعية وأفضل الممارسات التي يجب أن تكون مبنية على الأدلة والبراهين وتسمح بها المؤسسات الطبية. وهو المبدأ ذاته الذي نطالب بأن يتم تطبيقه على جميع ممارسات الطب البديل أو التقليدي أو المكمل حتى نقيس فعالية التشخيص أو العلاج بدقة ومسطرة واحدة، ولا نترك الحكم للأساطير دون تمحيص.
أما عن الطب الشعبي «التقليدي» (Traditional Medicine)، وتعرفه منظمة الصحة العالمية بأنه «مجموع المعارف والمهارات والممارسات القائمة على النظريات والمعتقدات والخبرات الأصلية لمختلف الثقافات، سواء أكانت قابلة للتفسير العلمي أم لا، مثل الطب الصيني، الوخز بالإبر، العلاج بالأعشاب، الطب العربي.
الطب التكميلي (Complementary Medicine)
وهو يستخدم جنبا الى جنب مع العلاج الحديث وليس بديلا له، أي أنه»يجمع بين العلاجات التقليدية والعلاجات الحديثة، بهدف تقديم رعاية متكاملة لكل مريض«، وقد يكمن الاختلاف الأساسي بينه وبين الطب التقليدي في أنه يختبر غالبا بطريقة علمية... ومن أمثلة ذلك النوع الوخز بالإبر والعلاج بالتغذية.
الطب البديل (Alternative Medicine)
وهو أي نظام طبي يُستخدم بديلا عن العلاجات الحديثة، و»يشمل مجموعة واسعة من الممارسات التي لا تعتبر جزءا من الطب الحديث السائد، وغير المدعومة بأدلة علمية، مثل العلاج بالطاقة، مثل الريكي، والعلاج بالأعشاب أو وسيلة أخرى غير موثقة أو غير مدعومة بأدلة علمية.
التحديات والمخاطر للطب البديل
• غياب الأدلة العلمية الكافية التي تحدد الفعالية أو مقدار الجرعات المطلوبة أو المرض بدقة.
• التشخيص الخاطئ وتأخير بدء العلاج والمضاعفات غير المرصودة أو حتى الوفاة.
• المنتجات الطبيعية ليست كلها آمنة دائما، قد تحتوي على ملوثات مثل المعادن الثقيلة أو المبيدات الحشرية.
• التفاعلات الدوائية: بعض الأعشاب، قد تؤثر على فعالية الأدوية الحديثة، مثل زيادة خطر النزيف لدى المرضى الذين يتناولون مضادات التخثر.
• السعر المبالغ فيه وذلك على العكس من أهم مسوغات استخدامه.
• الترويج المضلل للمنتجات.
توجد أنواع أثبتت الأبحاث الطبية فعاليتها بشرط أن تكون بجرعات وطرق محددة ويمارسها أطباء معتمدون:
الوخز بالإبر: في تخفيف الألم المزمن، مثل آلام أسفل الظهر، والصداع النصفي، تقنيات الاسترخاء وتساهم في تقليل التوتر وتحسين جودة النوم والعلاج العشبي: عند استخدامها بطرق علمية معتمدة.
وعلى الجانب الآخر توجد أنواع شهيرة جدا ويروج لها بشدة ولم تثبت فعاليتها علميا:
1. المعالجة المثلية (Homeopathy).
o تعتمد على استخدام مواد مخففة بدرجات عالية، أظهرت أبحاث منظمة كوكرين أن فعاليتها لا تتجاوز العلاج الوهمي «البلاسيبو».
2. إزالة السموم من الجسم وهي غير مدعومة بأدلة علمية.
o العلاج بالمغناطيس.
3. العلاج بالطاقة (Energy Healing): مثل «ريكي» تثبت الدراسات أن تأثيراتها تعتمد غالبا على الأثر النفسي وليس الطبي.
وختاماً
عندما تكون مريضا اذهب إلى الأطباء والمؤسسات الطبية التي تستخدم الطب الحديث المبني على الأدلة والبراهين، ولا تجعل من هذه الموروثات غير الموثقة علميا بديلا للطب الحديث. وحتى يتم وضع معايير عالمية موحدة وموثقة تقودها منظمة الصحة العالمية، يمكن أن تستخدم الطب التكميلي أو التقليدي فقط بحيث يكون مصاحبا للطب الحديث وليس بديلا له، وعند أطباء مرخص لهم بممارسته طبقا لمعايير تضعها المؤسسات الصحية للدولة ضمانا لسلامتك وتعزيزا لصحتك.
*وزير الصحة الأسبق