مع ارتفاع أعداد المحكومين في القضايا الجنائية والنزلاء في المؤسسات العقابية على وقع الأحكام الصادرة بحقهم، تظل خطوات المشرّع الكويتي في تبني العقوبات البديلة واعتماد قواعد الصلح والتسوية الجنائية مجرد أفكار تحتاج إلى تنفيذ فعلي لضمان تحقيق أهداف الردع، وإعادة تأهيل المحكومين وإدماجهم في المجتمع.
إن مفهوم الردع القائم على تنفيذ العقوبات داخل المؤسسات العقابية يشكل عبئًا كبيرًا لا تستطيع هذه المؤسسات تحمله بمفردها، سواء من حيث السعة الاستيعابية اللازمة لإيواء المحكومين، أو من حيث ضمان حق التقاضي أمام جميع المحاكم. إضافة إلى ذلك، يؤدي هذا النهج إلى إرهاق المنظومة القضائية الجنائية بشكل كامل، بما في ذلك جهات التحقيق والمحاكم والنيابة العامة المكلفة بتنفيذ الأحكام. كما تُشغل المؤسسات الأمنية بمهام حراسة المحكومين ونقلهم وتوفير احتياجاتهم اليومية لضمان ظروف معيشية ملائمة داخل تلك المؤسسات.
ونظراً لاستبعاد المشرّع الكويتي لفكرة الصلح والتسوية الجنائية من منظومة العدالة الجنائية، بات من الضروري العمل على تعديل أحكام قانون الإجراءات والجزاء لتوفير حلول أكثر فعالية. فالمؤسسات المسؤولة عن تنفيذ الأحكام تجد نفسها ملزمة باستيعاب الأعداد المتزايدة من المحكومين، سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، مواطنين أو وافدين.
لذا، يُعتبر إقرار المشرّع الكويتي اليوم لمشروع التسوية الجنائية خطوة في الاتجاه الصحيح. ويتطلب ذلك منح النيابة العامة صلاحية التسوية والتصالح مع المتهمين، بحيث يتم فرض عقوبات بديلة أو تبعية دون الحاجة إلى عرضهم على المحاكم الجزائية، شريطة موافقة المتهم. هذا الإجراء من شأنه أن يخفف العبء على المنظومة القضائية والعقابية، ويحقق الردع العام بطرق أكثر مرونة.
وعلى سبيل المثال، يمكن للمشرّع تمكين النيابة العامة من إعفاء المحكوم من العقوبات الأصلية المقررة قانونًا، واستبدالها بعقوبات تبعية. فإذا ارتكب أجنبي جريمة غير جسيمة عقوبتها لا تزيد على خمس سنوات، يمكن أن يُبعد عن البلاد مع إصدار مذكرة لدولته تتضمن توصية بوضعه تحت الرقابة الأمنية لمدة عامين. أما إذا كان المتهم موظفًا عامًا، فيمكن الاكتفاء بعزله من وظيفته، شريطة سداد الأموال المتحصلة من جريمته مع إضافة غرامة مالية تصل إلى ضعف المبلغ المختلس. هذه الحلول البديلة ستخفف من عبء المحاكمات الجزائية وتبعاتها على المحكومين، كما ستقلل الضغط على المؤسسات القضائية والعقابية.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة، ممثلة بوزارة العدل، سبق أن أقرّت مشروع قانون العقوبات البديلة ورفعته إلى مجلس الوزراء، إلا أن هذا التعديل لم يُنفّذ حتى الآن. كما ينبغي الإسراع في اعتماد نظام التصالح والتسوية الجنائية بالتعاون مع النيابة العامة، لا سيما وأن هذا النهج مطبق في العديد من الدول التي تعتمد تشريعات مقارنة أثبتت فعاليته.