صرح المؤرخ الإسرائيلي المناصر للقضية الفلسطينية إيلان بابيه بأن الشعب الفلسطيني لا يسعى إلى الانتقام، بل يبحث عن حياة طبيعية حُرم منها لأكثر من قرن. وأبدى المفكر المناهض للصهيونية خشيته من سياسة التطهير العرقي التي تتبعها إسرائيل في الضفة الغربية، فضلا عن الخطط والجرائم ضد الإنسانية التي كشفت فظائع إسرائيل وتلاعبها بـ «الهولوكوست» والتاريخ والذاكرة، ورأى أن فلسطين لن تتحرر من دون موقف فلسطيني موحّد، ولن تتحرر فقط من جانب الفلسطينيين.

Ad

كلام المؤرخ السياسي الشهير والكاتب الداعم لفلسطين، جاء خلال الحلقة الحوارية من برنامج الجوهر للتدريب الإعلامي، الذي تنظمه أكاديمية لوياك للفنون – «لابا» على برنامج Zoom، وتولت الإعلامية لينا صوان تدريب المشاركين من الكويت ولبنان والأردن ومصر، حول مهارات الحوار الإعلامي، وشمل البرنامج مشاركة أحمد فاضل الكوت، ولولوة الكندري، وأميرة المرضي من الكويت، ونور محمود طه من مصر، ومايا بليق من لبنان، ورنا شوقي عصفور من الأردن. فلسطين بحاجة إلى حل عادل

وفي إجابته عن أسئلة المشاركين، رأى بابيه أن «حركات التضامن العالمي مع الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر، أصبحت أكثر وضوحاً وشمولية، إذ تتمسك اليوم بشعار فلسطين حرة من النهر إلى البحر، ولن يكون بإمكان إسرائيل أن تواصل تبرير أفعالها في هذه المرحلة العصيبة، أو أن تحافظ على نظرة الاستثناء التي تتمتع بها، لذلك نجدها أكثر وحشية في هجومها على منتقديها وممارسة الرقابة عليهم».

وأضاف: «لكن للأسف معظم حركات التضامن ملتزمة بحل الدولتين، علماً بأن حصر القضية بمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة يشوّه التاريخ الصحيح، إذ إن فلسطين بأكملها بحاجة إلى حل عادل، وليس فقط%22 منها، أو فقط نصف شعبها»، ورجّح «عدم القدرة على إعادة بناء غزة في غضون 20 عامًا، ما سيفاقم التحديات أكثر، لذلك حان الوقت للضغط من أجل عودة أهالي غزة، عوض تهجيرهم إلى مصر بانتظار إعادة بناء غزة».

وإذ أدان عنصرية البعض تجاه الفلسطينيين، حذر المؤرخ اليهودي من أن «إسرائيل تواصل ربط حركة التحرير الفلسطينية بالإرهاب الإسلامي وكل ما يخشاه الغرب، وبأنها تشكل خطراً على المنطقة، لتبرير الإبادة الجماعية للفلسطينيين، باعتبارها تنطلق من نفس الدافع الذي قاد النازيين إلى إبادة اليهود في الحرب العالمية الثانية، لكن بالطبع إنه مجرد هراء وأسطورة يتم تسويقها، غير أنها لن تنجح»، لافتا إلى أن البديل عن حركة حماس ليس سيئاً لـ «حماس» فحسب إنما لإسرائيل بحد ذاتها.

واعتبر أن «بناء دولة واحدة يعكس العدالة التي يستحقها الفلسطيني، ويتطلب معاملة اليهود على أنهم مجرد جزء من مواطني دولة جديدة، ما يؤدي إلى تغيير موازين القوى تماماً»، وتحدث عن رؤية موحّدة لمسها بين جيل الشباب الفلسطيني «تدعو إلى التفاؤل بشأن وجود فرصة لبناء قيادة أو منظمة موحّدة، لكن للأسف ليس بين الجهات الفاعلة على الساحة السياسية الفلسطينية، إنما بين الشباب».

جانب من الحضور على برنامج Zoom

الصهيونية قائمة على التطهير العرقي والإبادة

وحول سبب مغادرته بلاده عام 2007، قال بابيه: «جريمتي في نظر الإسرائيليين هي التشكيك بالأساس الأخلاقي للمشروع الصهيوني، إذ لم يتحملوا النقد الصريح والعنيد تجاه سياسة معينة أو فترة محددة، ولم يتقبلوا فكرة أن مؤرخاً محترفاً يدحض روايتهم ويتحدى شرعية مشروعهم، من خلال بحثه المهني والأكاديمي وليس فقط من خلال قناعته الأيديولوجية، لذلك بدأ يُنظر إليّ باعتباري شخصاً يقود الآخرين إلى أفكار خاطئة، علمًا أنني أتمسك بنشر حقيقة ما تفعله إسرائيل والتنبيه إلى أن الصهيونية عقيدة عنصرية».

وإذ وصف المؤرخ الجريء نكبة عام 1948 بـ«التطهير العرقي»، قال: «في الآونة الأخيرة يمكننا التحدث عن إبادة جماعية، حيث إن الطموح الأساسي للحركات الاستعمارية، ومن ضمنها الحركة الصهيونية، يكمن في القضاء على السكان الأصليين، سواء عبر إبادة جماعية أو تطهير عرقي، باعتبارهم العقبة الرئيسية أمام المستوطنين لبناء الدولة التي ينشدونها، وقد نجح الصهاينة في طرد نصف الفلسطينيين والاستيلاء على 78% من البلاد».

وعن قوله في مقدمة أحد كتبه إن «إسرائيل واحدة من الدول القليلة التي يعتبرها الكثيرون مشبوهة أخلاقياً أو غير شرعية»، أوضح أن «تاريخ الاحتلال لم يبدأ عام 1967 ولا حتى عام 1948، بل قبل ذلك بكثير، منذ لحظة اقتراح بريطانيا تحويل فلسطين، التي كانت بلداً عربياً إسلامياً في نهاية الحرب العالمية الأولى، إلى دولة يهودية تستقبل المستوطنين اليهود القادمين من أوروبا. كانت تلك المرحلة الأولى لطرد الفلسطينيين الأوائل من 11 قرية وتجريدهم من حقوقهم».

عدد الحكام أكثر من القادة

وتعقيباً على سؤال فارعة السقاف، استنكر بابيه «الاتهام الشائع بأن الفلسطينيين أضاعوا الفرصة عندما رفضوا قرار التقسيم وحل الدولتين عام 1947»، قائلاً: «إنه افتراض مضلل، يبرر الاستعمار، فلو قبل الفلسطينيون قرار التقسيم لواصلت إسرائيل التطهير العرقي دون توقف، لتحقيق هدفها في الحصول على أكبر قدر من أراضي السكان الأصليين مع بقاء عدد قليل فقط من هؤلاء السكان».

وأوضح ضيف «الجوهر» أن «حكومات وأنظمة الدول العربية غير متشابهة بموقفها تجاه القضية الفلسطينية، وأن النخب السياسية في أجزاء كثيرة من العالم لا تمثل بأمانة موقف مجتمعاتها تجاه إسرائيل وفلسطين، كما نلحظ أن عدد الحكام أكثر من القادة».

البروفيسور إيلان بابيه والإعلامية لينا صوان والمتدربون المشاركون في حلقة الحوار

إسرائيل لم تعد مشروعاً مربحاً لحلفائها

بابيه، الذي وصفته السقاف بأنه «من أشد المناضلين الملتزمين بالقضية الفلسطينية، والذي سيكون أحد أبطال التحرير»، رأى أن «إسرائيل لم تعد مشروعا مربحا لحلفائها، ففي حين تتطور الولايات المتحدة، تصبح إسرائيل عائقا أكبر، فائدتها أقل، وربما تصبح عبئا في المستقبل وسط انعدام أي تغيير في السياسة الإسرائيلية، وتدهور الاقتصاد الذي يحتاج إلى دعم ضخم من واشنطن».

وتابع: «فلسطين هي التغيير، وإسرائيل عالمياً ليست في مكانة جيدة، وأعتقد أن الجيل الحالي من الشباب أكثر حزماً، لا يخاف بسهولة من مزاعم معاداة السامية، سواء كان من الأميركيين العرب أو الأميركيين اليهود أو من مُعادي الصهيونية، حيث إن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية». وتمنى انسحاب الولايات المتحدة من سياسة الشرق الأوسط، وتقليص حجم مشاركتها في المنطقة، قائلاً: «لسنا بحاجة إلى سياسة أميركية مختلفة، إنما إلى انسحاب أميركي، فنحن قادرون على التعامل مع مشاكلنا بأنفسنا، ولسنا بحاجة إلى واشنطن. أعتقد أننا كلنا في الوطن العربي وفي الشرق الأوسط، سنشعر بتحسن كبير إذا شاركت أميركا بشكل أقل في حياتنا، فنحن بغنى عن نموذج واشنطن الثقافي، كونه نموذجاً سيئًا جداً ينعكس على شبابنا، في حين نملك تراثنا الثقافي الخاص». وأضاف: «إذا كنت لا تستطيع التحدث بحرية عن فلسطين في أي مكان من هذا العالم، لا يمكنك الادعاء بأنك دولة ديموقراطية، إذ نجد نفس الأشخاص التقدميين الذين يدافعون عن الحرية والعدالة والمساواة يناقضون أنفسهم عندما يتعلق الأمر بفلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني، باعتبارها دائمًا الاستثناء».

«الجوهر» البرنامج الأول من نوعه بالمنطقة

يذكر أن «الجوهر» للتدريب الإعلامي هو البرنامج الأول من نوعه في المنطقة، وأطلقته أكاديمية لابا لوياك عام 2020، بهدف تمكين الشباب العربي من أسس إعداد وتقديم حلقات حوارية ناجحة، وتدريبه على أبجديات الإعلام على يد نخبة من الإعلاميين العرب المحترفين، وتتوج الورش التدريبية بمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة واضحة في شتى المجالات بالوطن العربي، حيث بلغ عدد ورش «الجوهر» التدريبية حتى اليوم 51 ورشة، وزاد عدد مستفيديه على 480 مستفيدا.

وينفّذ برنامج الجوهر برعاية شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، وجريدة «الجريدة»، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون.