ومن كتيبات مجموعة «نوادر النوادر» كتيب بعنوان «إيقاظ الغرب للإسلام» تأليف البريطاني المسلم سيف الرحمن رحمة الله فاروق، أو اللورد هيدلي، رئيس الجمعية البريطانية الإسلامية، ومن تعريب إسماعيل حلمي البارودي، (الإسكندرية 1922)، وفي المنشور إشادة قوية بالإسلام ووسائل الدعوة، ونقد، في المقابل للمبشرين المسيحيين. (ص 81)

كما تحدث كتاب «نوادر النوادر»، الذي نقدمه للقارئ كذلك، عن كتاب آخر لمحمد فريد وجدي، الذي يدافع فيه عن جواز ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى وعنوانه «الأدلة العلمية عن جواز ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية» المنشور عام 1936. وكان الجدل والانقسام قد اشتد بين مثقفي مصر الإسلاميين حول الأمر بين مؤيد ومعارض، حتى أن مرشد الإخوان المسلمين، الشيخ حسن البنا، كان ضد ترجمة القرآن إلى أي لغة أخرى، في حين كان الأستاذ وجدي، مدير مجلة الأزهر، من المؤيدين.

Ad

ويقول كتاب «النوادر» عن كتاب وجدي والتعريف بمحتوياته:

«ويورد المؤلف شبهات المعترضين على الترجمة، ومنها أن الترجمة إلى لغة أخرى سينظر إليها على أنها أصل القرآن، وستنقل هذه الترجمة بعد ذلك بلغة ركيكة إلى اللغة العربية فيتوهم البعض أنها هي القرآن نفسه. ورأى فضيلة الشيخ محمد سليمان أن في ترجمة القرآن أخطاراً على أصل الدعوة الإسلامية، وعزة (أي مكانة) اللغة العربية. وينكر المؤلف أن يكون هناك أي خطر بترجمة القرآن على الدعوة الإسلامية أو على اللغة العربية وعزتها.

ويدعو المؤلف الأزهر الشريف إلى وضع ترجمة صحيحة لمعاني القرآن الكريم تتلافى ضرر الأخطاء الفاحشة التي جاءت في بعض التراجم، ويرد المؤلف على آراء الشيخ محمد سليمان، منها أن بلغاريا أنشأت مدرسة لتعليم المسلمين اللغة العربية، وأن إندونيسيا أسست خمسمئة مدرسة لتعليم اللغة العربية. ويقلّل المؤلف من جدوى هذه الأخبار، ويرى أن انتشار اللغة العربية في غير العرب سيبقى في نسبة محدودة من السكان. ويذكر المؤلف أن أهل جاوا بعثوا برسائل يطلبون فيها ترجمة القرآن إلى لغتهم، وأن ما ذكره الشيخ محمد سليمان بأن اليابانيين طبعوا القرآن الكريم باللغة العربية لنشره في الشرق الأقصى لا يتفق مع العقل والمنطق». (نوادر النوادر، ص 153)

ويتحدث كتاب النوادر عن آراء بعض القضاة في ترجمة القرآن ويقول:

«يذكر المؤلف أن قاضي محكمة شبين الكوم الشيخ محمد مصطفى الشاطر قد نشر رسالة يعارض فيها ترجمة القرآن الكريم، ويعرض المؤلف حجج الشيخ المذكور، وهي أن ترجمات الإنجيل أدّت إلى ذهاب اللغة الأصلية للإنجيل، وأنه لو ترجم كل قوم القرآن فسنحصل على ترجمات متخالفة، وسيؤدي ذلك إلى الطعن في القرآن وترجماته، وإلى اختلاف المعتمدين على هذه التراجم المتغايرة، ومن الحجج أن بعض معاني القرآن يُختلف في شأنها، فأي الآراء سيعتمد عليها المترجم، وأن النظم المعجز للقرآن جزء من ماهية القرآن، فهل بإمكان المترجم أن يترجم هذا الجزء؟ وأن جمهور المسلمين قد أجمعوا على عدم جواز الترجمة». (ص 135).

ويسلّط كتاب «نوادر» البابطين الأضواء على حجج أخرى من معارضي الترجمة، ومنها حجة ذات وزن فيقول:

«ويتناول المؤلف عدم ترجمة القرآن في زمن العباسيين مع كثرة الترجمة في زمنهم، ويرى من دواعي ذلك أن القائمين على الترجمة في ذلك العهد كانوا كلهم من النصارى والصابئة، والسبب الآخر أن أوروبا كانت في ذلك الزمن في ظلام حالك من الجهل وتحت رجال الكنيسة، ولم يكن يُسمح بترجمة كتاب مخالف لعقائدهم. ويردّ المؤلف على من قال إن ترجمة القرآن تعطّل انتشار اللغة العربية، ويرى أن الأمم قاطبة تترجم مذخور آدابها إلى اللغات الأخرى، ولم يؤثر ذلك على لغاتها الأصلية، بل زادتها نماءً وارتقاء».

وينتقل الجدل حول شرعية ترجمة القرآن إلى الخلاف بين المذاهب الإسلامية حول المسألة! يقول كتاب النوادر عن آراء المؤلف فريد وجدي:

«ويردّ المؤلف على ما اتهمه به الشيخ محمد مصطفى الشاطر، وهي أنه رمى الغيورين على الدين بالغفلة عن مذهبهم، وأنه نسب إلى الحسن البصري ما لا يعقل، ونسب إلى رسول الله ما لم يثبت، وغلط في نقل بعض آراء الحنفية. ويذكر المؤلف أن اتهامه الأحناف المعاصرين الذين قالوا بعدم جواز ترجمة القرآن بالغفلة عن مذهبهم هو اتهام صحيح، وأن الإمام الحسن البصري لم يكن يجيد نطق بعض الحروف، فليس عليه بأس أن يأخذ بالرخصة الإسلامية، وأن ما نقله عن الرسول عليه السلام في إقراره ترجمة الفاتحة صحيح، وهو لم يغلط في نقل جواز الصلاة بالترجمة لمن لا يحسن، وذلك عن أبي حنيفة. وفي موضوع «التلاعب بالمسائل الخلافية» يرى المؤلف أن كل أمر مختلف فيه يمكن العمل بالوجه الموافق للمصلحة، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وفي المسألة المختلف عليها وهي ترجمة القرآن، فإن مذهب أبي حنيفة يبيح الترجمة». (ص 137)