غزة لم تعد فقط تلك البقعة الصغيرة في قلب العالم العربي، بل باتت رمزًا للمقاومة والصمود في وجه الاحتلال والظلم والطغيان ومنارة للحرية والتضحية، فتاريخها الممتد عبر العقود يعكس صورة معركة مستمرة من أجل الحرية والكرامة، ليس فقط في السابع من أكتوبر عام 2023، بل منذ عقود، ومنذ التاريخ، ومع كل تصعيد، لا تفتأ غزة تبرهن على قدرتها على النهوض والوقوف أمام مخططات الاحتلال وإفشال خططه.
عاش الشعب الفلسطيني في غزة أكثر من 15 عاماً تحت الحصار الظالم، وسط صمت عربي ودولي لم يشهده التاريخ إلّا في زمن البرابرة التتار، ومع ذلك شاهدنا العملية النوعية التي قام بها أبطال غزة في السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى)، ليُجنّ جنون الصهاينة ومن يدعمهم ويهادنهم من العرب، فكيف بأمّة صغيرة محاصرة من كل مكان تتمكن من فعل ذلك؟ غافلين عن قوله تعالى «إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم»، وقوله جل وعلا «إن ينصركم الله فلا غالب لكم».
لقد انتصرت غزة في حربها الأخيرة، رغم كل ما قدّمته من شهداء ودماء في سبيل حريتها وكرامتها، فلا يوجد شعب في العالم قاوم الاحتلال لمدة 80 عاماً على التوالي سوى غزة وأهلها المرابطين، ورغم الدمار الذي حلّ بمستشفياتها ومدارسها ومساجدها ومساكنها، انتصرت غزة، فأعطت صورة شاملة وواضحة لهمجية وإرهاب الكيان المحتل عبر العالم، لتعيد قضية فلسطين إلى ذاكرة العالم الحر، الذي شاهدنا كيف تعاطفت معها شعوب العالم من كل عِرْق ودين، حتى اليهود خرجوا منددين بمجازر الكيان المحتل.
انتصرت غزة، لأنها كشفت الوجه القبيح للمتصهينين العرب الذي تركوا كل أفعال الصهاينة الهمجية والإرهابية من قتل للأطفال والنساء والشيوخ وتدمير للمنازل والمستشفيات والمدارس والجامعات، ويتبجحون بأن المقاومة هي التي تسببت في ذلك!
انتصرت غزة بصمود شعبها وعشقهم للحرية والكرامة، فكشفت لنا مدى هشاشة هذا الاحتلال الهمجي، كما كشفت لنا دعاة الحرية والإنسانية الذين موّلوا هذا الكيان بكل ما يملكون من أسلحة وعتاد وخبراء، بل وحتى جيوش.
لقد كبّدت غزة خسائر كثيرة للعدو الصهيوني، فدمّرت اقتصاده وأوقفت مصانعه وسياحته، وخلقت خلافاً بين قياداته، وحافظت على هويتها وقضيتها العادلة التي حاول الكثيرون طمسها وطيّها في أروقة التاريخ.
يعني بالعربي المشرمح:
غزة أعادت الحياة إلى القضية الفلسطينية العادلة، ورغم كل التحديات، لا يزال الأمل ينبض في قلب غزة. الانتصار هناك لا يعني نهاية الصراع، بل هو بداية جديدة للمزيد من التحديات والمقاومة. يبقى الشعب الفلسطيني في غزة مدافعًا عن حقوقه، ومؤمنًا بأن النصر قادم مهما طال الزمن. إن انتصار غزة هو انتصار لكل من يؤمن بالعدالة والحرية، وسيظل الجميع يذكرون أن الشعوب التي تناضل من أجل حقوقها لا يمكن كسرها، وليتعلم العبيد المتصهينون معنى المقاومة من أجل الوطن والحريّة والكرامة والعدالة التي لا يشعرون بها!