لو استغنى أحد عن الشورى لاستغنى عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فالشورى أساس في كل أنظمة الحكم مهما اختلفت مضامينها ومسمياتها وأشكالها، ولما كانت الحكومة تتولى الآن السلطة التشريعية، إلى جانب التنفيذية، فإنّ الشورى أصبحت أكثر ضرورة وأهمية، وحسناً فعلت الحكومة بإحالة مشروعَي قانون تنظيم القضاء وقانون المرافعات إلى المجلس الأعلى للقضاء لأخذ الرأي فيهما، وحبّذا لو تطلب الحكومة أيضاً رأي جمعية المحامين التي تمثّل القضاء الواقف، وكذلك آراء وزراء العدل السابقين، مثل مشاري العنجري وعبدالله الرومي، وغيرهما من أهل الرأي والمتخصصين، فلا شك في أن ملاحظات هذه الجهات ستثري المشروعين وتحصّنهما من الأخطاء.

ومن الأمثلة على خطأ إهمال مشاورة أهل الاختصاص والخبرة، خطأ مجلس الأمة الذي أهدر حقوق المواطنين وضيّع حلالهم، عندما ألغى الضبط والإحضار في قضايا الإيجارات وتسديد الأقساط وتسليم المستندات، لأنّ المجلس التفت، مع الأسف، عن رأي جميع القضاة الذين ترأسوا إدارة تنفيذ الأحكام، والتي كانت تحصّل حوالي 12 مليون دينار شهرياً للمتضررين.

Ad

بينما من الأمثلة الجيدة التي تدل على صحة الأخذ بالرأي الفني المتخصص، قرار مجلس الوزراء رقم 20 - قبل أيام - بجواز حصول ديوان المحاسبة على نسخ ضوئية من القرارات واللوائح والعقود لممارسة اختصاصه في الرقابة المالية، والذي يمثّل تراجعاً عن قرار سابق بالمنع، كنت قد انتقدته في حينه، ويأمل كثير من المتخصصين أن تتبع القرار الجديد قرارات أخرى تتيح للديوان الصلاحيات كافة لكشف أي خطأ وأي هدر أو فساد.

كذلك من القرارات الجيدة إلغاء الحكومة الجديدة قرار الستين سنة للوافدين، الذي لا شك عندي في أنه جاء نتيجة لاستشارات واقعية وميدانية حكيمة بينتها في مقال سابق أيضاً.

ومن الأمثلة التاريخية الموفقة مشاورة الشيخ عبدالله السالم، يرحمه الله، لأهل الديرة وأهل الرأي عندما هدد عبدالكريم قاسم الكويت، فكانت مشورتهم فتحاً حقيقياً للكويت ومستقبلها، بفضل الله.

كل هذه الأمثلة تثبت أن الحكومة لا يمكن أن تستغني عن الرأي والمشورة.

وبحمد الله، فإن كل رأي كتبته وسأكتبه في هذه الزاوية إنما هو من قبيل إسداء المشورة العلمية والشرعية الخالصة إن شاء الله، والتي أرى فيها مصلحة للبلاد من دون مساس أو تجريح.