قد تولى ترامب سدّة الحكم ببلاده في 20 الجاري، وهو يطرح برنامجه الاستثماري الاستعماري قبل توليه المنصب، وهو البرنامج الذي رسم خطوطه العريضة الرئيس الأميركي الأسبق ويلسون بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، التي لم تدخلها أميركا واكتفت فيها بموقف المتفرج على الامبراطوريات الاستعمارية التي تساقطت في هذه الحرب، والتي كان صراعها يتسم بالغباء المفرط في سعيها لمزيد من أراضٍ تحتلها، لا سعيا لاستنفاد موارد وثروات البلاد المستضعفة والمحتلة.

في برنامج ويلسون، الذي تبناه الرئيس ترامب؛ سواء في فترة رئاسته الأولى (2016/ 2020)، ولايزال مُصرّا عليه في فترة رئاسته الجديدة التي تتسم بأنها أكثر شراسة وميلا للانتقام ممن خذلوه في الانتخابات الرئاسية السابقة، وقد بدأ إعلان برنامجه بخطابات شعبوية الى أنصاره من اليمين المتطرف، حيث يدور برنامجه حول محورين رئيسيين:

Ad

المحور الأول

المناداة بالدكتاتوريات بدلا من الرسالة التي حملتها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تنادي بنشر الديموقراطية في العالم أجمع حين أعلن أن دكتاتورية صدام ودكتاتورية القذافي لم تخرج منها جماعات الإرهاب، فكأنه يدعو الى أن تخلع أميركا يدها من التباكي على حقوق الإنسان وعلى الديموقراطية.

ولم يكن ترامب، عندما أوقف الحرب في غزة قبل توليه منصبه، حريصا على السلام أو راغبا في إنهاء الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، أو لسواد عيوننا نحن العرب أو عيون الفلسطينيين، بل حتى لا يُراق ماء وجهه وقد أعلن أنه إذا لم يفرَج عن الرهائن الإسرائيليين قبل 20 يناير، فإن الشرق الأوسط سيشهد جحيما، وذلك ليتفرغ لمشروعه الاستثماري/ الاستعماري الضخم.

وكان الرئيس السابق بايدن قد خرج علينا وقد أوشكت ولايته على الانتهاء، وصرح بأن أربع دول عربية كانت تعارض إيقاف الحرب؛ وسواء كان صادقا أو كاذبا، فإننا ابتلعنا نحن العرب جميعا الطعم الذي أراد به ترامب أن يكون تبريرا لعجزه، لا تفسيرا من ناحيته، كما أراد في هذا السياق أن يوقع بين الشعوب العربية وحكّامها.

ويكشف عن العنصرية الكامنة في اليمين المتطرف الأميركي بأن أعلن أنه سيعدل قانون الجنسية الأميركية ليحرم منها كل من يُولد على الأرض الأميركية، ويأمر بترحيل الأجانب الذين ليست لهم إقامة قانونية من البلاد، ويوفد حرسا من قواته العسكرية لحماية حدود أميركا من الهجرة من المكسيك الى أميركا.

وقد نسي أو تناسى أن الآباء الأوائل من الأميركيين خاضوا حربا أهلية لمدة أربع سنوات بين الشمال والجنوب، لتحرير العبيد.

ولم تنقضِ بعد الـ30 يوما على تنكيس أعلام أميركا لوفاة الرئيس الأميركي الأسبق كارتر، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام وكتب مؤلَّفه «فلسطين السلام... لا للتمييز العنصري».

وقد قررت المحكمة العليا الأميركية عام 1954 أن نظام التفرقة العنصرية يجب أن ينتهي في أسرع وقت ممكن.

وأكدت المحكمة العليا مبدأها في قضية كوبر ضد أكرون سنة 1958، الذي قررت فيه أنه لا يمكن لأي سلطة أن تعلو على الدستور أو تخالفه.

وفي سنة 1955 استطاعت فتاة صغيرة سوداء أن تهزّ أركان التفرقة العنصرية حين رفضت الجلوس في المقاعد الخلفية المخصصة للسود في سيارات النقل العام، وتم القبض عليها وإيداعها السجن لمخالفتها قانون ولاية ألاباما، وقامت المناضلة الزنجية روزا باركس بتبنّي قضية هذه الفتاة أمام المحكمة العليا الأميركية، ثم قامت المناضلة الأميركية هي الأخرى بتحدي قانون الولاية والجلوس في مقعد من مقاعد البيض، وتم إنزالها بالقوة والقبض عليها، وقرر السود بزعامة مارتن لوثر كنج مقاطعة سيارات النقل العام والسير على الأقدام، واستمرت هذه المقاطعة منذ أول ديسمبر 1955 حتى نهاية 1956 حين أصدرت المحكمة العليا الأميركية حكما بأن قانون الولاية الذي يقرر هذا النظام فيه انتهاك لمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور.

وتحدى طلبة جامعة نورث كارولينا السود قانون الولاية حين دخلوا أحد مطاعم البيض في أول فبراير سنة 1960، وتم اقتيادهم إلى السجن.

ويسجّل تاريخ القضاء الأميركي للرئيس أيزنهاور، كيف وقف مدافعا عن أحكام المحكمة العليا الأميركية فيما أرسته من مبادئ المساواة بين البيض والسود، حين كانت التفرقة العنصرية تسود ولايات الجنوب، عندما أصدر أيزنهاور قراره بإرسال قوة من الجيش الأميركي إلى الولاية، تحملها الطائرات لتنفيذ حكم المحكمة، وهو ما تناولناه في الفصل الثالث من الباب الثالث من كتابي «الخطايا العشر في دستور العصر».

وقدّم الرئيس كيندي عام 1993 إلى «الكونغرس» قانون الحقوق المدنية ليجسّد بهذا القانون مبادئ المحكمة العليا الأميركية، إلا أنه تم اغتياله قبل إقرار «الكونغرس» بمجلسيه لهذا القانون، فكان من أولويات خلفه الرئيس جونسون، وصدر القانون، فطعن رجل أبيض في هذا القانون أمام المحكمة العليا الأميركية بدعوى عدم دستوريته في القضية المعروفة بـ «أتلانتا موتيل» ضد حكومة الولايات المتحدة، إلا أن المحكمة العليا أصدرت عام 1964 حكمها بأن «الكونغرس» أصدره في حدود سلطاته الدستورية.

ويكشف التاريخ القضائي لهذه المحكمة أن الولايات المتحدة الأميركية تعيش في ظل نظام دستوري عريق يسنده إيمان عميق بالقيم الديموقراطية وبفكرة الحكومة المقيدة (د. عادل عمر شريف - قضاء الدستورية، ص 135).

المحور الثاني

ويكشف فيه ترامب عن جانب قبيح آخر من الوجه الأميركي في عهده، وهو وقف المساعدات الأميركية (AID)، التي كانت أميركا تدعم بها الشعوب في الدول النامية، وقد بدأها بإيقاف هذه المساعدات لمدة 90 يوما، حتى تتم مراجعتها عدا - بطبيعة الحال - المساعدات العسكرية لإسرائيل فهي ربيبة الاستعمار العالمي الجديد، وعدا المساعدات العسكرية لمصر، وهي تجارة رابحة للشركات الأميركية المنتجة لهذه الأسلحة.

وقد أعلن مجددا في 22 ديسمبر الماضي، وقبل توليه منصبه، أن ملكية الولايات المتحدة لجزيرة غرينلاند أمر ضروري للأمن القومي وللحرية العالمية، وأنه لا يستبعد استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية لإجبار الدنمارك على منح هذه الجزيرة لأميركا، وكانت كل من حكومة الجزيرة وحكومة الدنمارك قد رفضتا بيعها لأميركا في فترة رئاسته الأولى.

تطوير ترامب لبرنامج ويلسون

ولا يلتزم ترامب ببرنامج ويلسون الذي تبنّاه، وهو يستبعد احتلال الأراضي، بحكم أن الولايات المتحدة الأميركية تملك قارّة، فيقرر التوسع في الاستيلاء على جزيرة غرينلاند ولو بالقوة العسكرية، بما يعيد التوسع الاستعماري في الأراضي الذي كان الصراع فيه بين الامبراطوريات الاستعمارية سببا في إشعال الحرب العالمية الأولى، فهو يريد أن يصطاد في الماء العكر بين قوميتين في كندا، حيث ترغب «الباسك» في الانفصال عن كندا، لتصبح كندا إحدى الولايات الأميركية، وتعداد سكانها لا يجاوز الـ 40 مليون نسمة، لكنها تملك شلالات نياجرا في الجانب الآخر من أميركا، وهو استثمار سياحي هو أقدر على استغلاله من كندا، وسوف تجرى مباريات كأس العالم لكرة القدم في العام المقبل على أرض ثلاث دول، من بينها كندا، وستتم مرسم افتتاح هذه البطولة في أميركا.

كما أعلن رغبته في ضم النرويج إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعدما تجرأت وتجاسرت على الاعتراف بفلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة، وحاولت أن يكون لها دور في تحقيق السلام بين فلسطين وإسرائيل، إذ خرجت منها اتفاقية أوسلو التي أجهضتها إسرائيل وقضت عليها تماما، بعد أن حصلت على الموافقة من منظمة التحرير الفلسطينية.

كما أعلن أنه سيستولى على قناة بنما لإدارتها، و95 بالمئة من السفن التي تعبر القناة أميركية، وسوف يغيّر خريطة الشرق الأوسط، وينفّذ صفقة القرن لحل القضية الفلسطينية، وهو ما رفضه الفلسطينيون في فترة رئاسته الأولى.