«لَيْسَ المَزَكْزكُ بأَنْيَئِهِنَّ»، مثلٌ عربيٌ قديم، وأصله أن أعرابياً أصاب بعض فِراخ «المُكَّاء»، فدفنها تحت رماد ساخن، ثم جعل يخرجها ويأكلها واحداً وراء الآخر، فقفز أحدها من تحت الرماد حياً وفرَّ هارباً، فعَدا خلفه، وأمسك به، ثم أخذه وجعل يأكله، فقال له صاحبه: إنه نيئ، فردَّ قائلاً غير مبالٍ: «ليس المزكْزَكُ بأنْيَئِهِنَّ».
و«المَزَكْزكُ» هنا هو ذكر الطير عندما يتبختر حول أنثاه، «كزاف» أي كذكر الحمام، وهو يدور ويحوم حول الحمامة متقرباً منها، مستديراً حولها، نافشاً ريشه، ساحباً أذنابه.
أما كلمة «بأَنْيَئِهِنَّ»، فهو اللحم النيئ الذي لم ينضج بعد، فقصد بها أنها كلها عنده سواء، فكلها نيئة لم تنضج.
أما «المُكَّاء»، والمعروف عند المولعين بالطيور في الكويت بـ «أم سالم»، فهو طائر يعيش في الصحاري العربية، ومعروف عندهم بصوته الجميل، الذي يشبه صفير الناي، ويُقال إنه سُمي بـ «أم سالم» نسبةً لامرأة عجوز كبيرة السن عُرفت بذلك الاسم، وقِيل إن دعاءها على مَنْ يضايقها لا يخيب، لذا يحذر الناس من التعرُّض لها، لخوفهم من أن تصيبهم حوبتها، رغم أنها مسالمة، ورغم أن سبب تسميتها غريب.
فقول «لَيْسَ المَزَكْزكُ بأَنْيَئِهِنَّ» عبارة أصبحت مثلاً يُطلقه العرب على القوم المتساوين في الشر أو السوء، لا فرق بين فعل أحدهم وفعل الآخر، مهما بدا أن هناك اختلافاً في التفاصيل أو الطريقة، ومهما حاول «المَزَكْزكُ» خداع مَنْ حوله بمظهره، وفاخر ثيابه، أو بمشيته وبتصرفه، ففي نهاية الأمر هو سيئ، ويفتقر إلى الحكمة والمعرفة.
فعبارة «ليس المزكزك بأنيئهن» تحمل في طياتها حكمة عميقة، وتنطبق على العديد من المواقف في الحياة، وهي تدعونا للنظر إلى ما هو أبعد من المظاهر الخارجية، والتركيز على القيم والمعرفة الحقيقيتين.
جعلنا الله من أصحاب العلم، وأبعد عنا «المَزَكْزكين»، فما أكثرهم.