من يشاهد إحدى الصور الملتقطة لمبنى كلية الطب والعلوم الصحية في العاصمة اليمنية صنعاء، فسيجده شبيهاً جداً بمبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، هذا المبنى الذي صممته أيادٍ كويتية مبدعة، وبنته دولة الكويت الشقيقة في فترة الثمانينيات من القرن الماضـي.

وقدمت الكويت دعماً سخياً ومساعداتٍ مالية ضخمة لليمن ساهمت في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية في مختلف المجالات التعليمية والصحية ومشاريع البنية التحتية من طرق ومياه وكهرباء وصـرف صحي... إلخ، مما عزَّز من هذه العلاقات الثنائية ورسَّخ أواصـر الأخوة بين الشعبين الشقيقين ليحق لنا أن نطلق على تلك الفترة أنها فترة ازدهار التعاون والتنمية بين هذين البلدين الشقيقين.

وعلى ذكر هذه المشاريع نتذكر قصة بناء الكويت لمبنى كلية الطب والعلوم الصحية، ضمن مشـروعاتها لبناء مباني جامعة صنعاء، وهي: كلية التجارة والاقتصاد، وكلية الشـريعة والقانون، وقاعة الزعيم جمال عبدالناصر للمحاضرات والاتصالات، والمكتبة المركزية، بالإضافة إلى مبنى إدارة الجامعة، وعدد من المرافق الخاصة بسكن أساتذتها، وبعدها جاء تبني دولة الكويت لمشـروع إنشاء مبنى كلية الطب والعلوم الصحية أثناء زيارة الأمير الراحل جابر الأحمد - طيب الله ثراه - لليمن يومي السبت والأحد 31 يناير و1 فبراير 1981م، وقامت بتصميمه الشـركة العربية للاستثمارات الهندسية بالتعاون مع جامعتي صنعاء والكويت، كما تمت الاستعانة بشـركات استشارية متخصصة لوضع مواصفات التجهيزات والمختبرات والأعمال الخارجية.

Ad

وبعد إقرار التصاميم النهائية، بدأ تنفيذه في موقعه الحالي، واستمر العمل بهذا المشـروع فترة 3 سنواتٍ ونصف، ليأتي يوم الأربعاء 27 سبتمبر 1989م، وفي غمرة احتفالات بلادنا بالعيد السابع والعشـرين للثورة السبتمبرية الخالدة، اليوم الذي شهد افتتاح أكبر وأضخم كلية للطب في الشـرق الأوسط - حينذاك - جُهِزَت بأحدث الأجهزة العلمية المتطورة التي تعمل على أحدث النظم الطبية العالمية لمد احتياجات اليمن من الأطباء والكوادر المحلية المؤهلة والمدربة على أحدث الدراسات والطرق العلمية الحديثة، وحضـر افتتاحه من الجانب الكويتي الشقيق د. علي الشملان - وزير التعليم العالي حينها، والأستاذ فيصل عبدالله المشعان - نائب رئيس الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي، وإبراهيم الموسى، سفير الكويت المعتمد بصنعاء.

وبنظرةٍ شاملة فقد تـميَّز هذا المبنى بتصميمٍ فريد مثَّل بحق وحقيقة تحفةً فنيةً رائعة قائمةً على شكل طائرة ورقية، وقُسِّم إلى سبعة أجهزة متشابكة ومتصلة ببعضها.

وفي عام افتتاحه ضم هذا المبنى 719 طالباً وطالبة وتخرج منها حتى عام 2022م عدد 10.578 خريجاً وخريجة في جميع برامجها المختلفة، منهم 5.744 من برنامج الطب والجراحة، مما جعلهم مطلباً رئيسياً لسوق العمل المحلي والإقليمي.

ولم يتوقف خير الكويت العزيزة على إنشاء مباني جامعة صنعاء فحسب، بل خصصت ميزانيةً سنويةً تبلغ 12 مليون دولار لتسديد أجور 130 أستاذاً جامعياً، و40 أستاذاً زائراً، و50 فنياً وإدارياً بالجامعة، ونفقات وأجور 100 مدرس في المدارس الثانوية، و39 طبيباً في مستشفى الكويت، و120 ممرضاً وممرضة، و35 فنياً وإدارياً في المستشفى ذاته، وظلَّت تصـرف حتى عام 1990م، كما قدَّم منحاً دراسية لآلاف الطلاب اليمنيين للدراسة في الجامعات الكويتية وغيرها من الجامعات العربية والأجنبية، مما ساهم في بناء كوادر يمنيةٍ مؤهلة، وساهمت الخبرات الكويتية في تطوير مسيرة اليمن التنموية في مختلف المجالات.

ولا يسعنا في الأخير إلا تسجيل الشكر الجزيل للكويت شعباً وأمراء وحكومات على الدعم الكبير والسند الصادق لليمن ومع اليمن في جميع حالاته.

* كاتب وباحث من اليمن