أنهى اتفاق وقف إطلاق النار، الذي طال انتظاره في قطاع غزة، يومه الثاني بلا خروقات، بعد أن أطلقت حركة حماس 3 رهائن في غزة، مقابل إطلاق إسرائيل 90 فلسطينياً من سجونها، في أول تبادل ضمن الصفقة التي تنص مرحلتها الأولى على الإفراج عن 3 رهائن كل 7 أيام.
وطغت دموع الفرحة على وجوه أهالي الأسرى الفلسطينيين المحرَّرين من سجن عوفر الإسرائيلي، في الساعات الأولى من صباح أمس.
ونقلت الحافلات الدفعة الأولى من الأسرى الفلسطينيين في التحرك من سجن عوفر العسكري، وفقاً لصور وردت من وكالات أنباء. وقالت هيئة السجون الإسرائيلية إنه جرى الإفراج عن 90 أسيراً فلسطينياً، في إطار عملية التبادل.
وبعد استقبال حافل، تحدثت أسيرات فلسطينيات محررات عن تجاربهن المريرة في السجون الإسرائيلية، حيث واجهن القمع والتعذيب النفسي حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج عنهن.
وفي «ساحة الرهائن» في تل أبيب، استقبل الآلاف الرهينات الثلاث إميلي داماري (28 عاماً) التي تحمل أيضا الجنسية البريطانية، ورومي غونين (25 عاما)، ودورون شتاينبرخر (31 عاما) التي تحمل أيضا الجنسية الرومانية بالدموع والتصفيق والعناق. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنّهن «مررن بمعاناة رهيبة واختبرن الجحيم. إنهنّ يخرجن من الظلمة إلى النور، من الاعتقال إلى الحرية».
وتعهد مكتب نتنياهو بمواصل العمل لإعادة كل المختطفين الأحياء والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة.
التفاف جماهيري
في المقابل، اعتبرت «حماس» التي انتشر مسلحوها في القطاع في مشهد يناقض حديث إسرائيل عن القضاء عليهم تماماً أن «مشاهد الفرح أثناء استقبال الدفعة الأولى من الأسرى تؤكد الالتفاف الجماهيري حول المقاومة، وتبرز مكانتها الراسخة في وجدانهم».
وقالت الحركة، في بيان، إن «صفقة طوفان الأحرار المتواصلة، وجموع شعبنا الحاشدة التي خرجت لاستقبال الأسرى المحررين، رغم الإجراءات القمعية، إعلان تحد للاحتلال، وتعبير عن تعطشهم للحرية وتحرير الأرض والمقدسات».
وأضافت «حماس»: «أظهرت صور تسليم أسيرات العدو الثلاث، وهن بكامل صحتهن الجسدية والنفسية، بينما بدت على أسرانا وأسيراتنا آثار الإهمال والإنهاك، ما يجسّد الفارق الكبير بين قيم وأخلاق المقاومة، وبين همجية وفاشية الاحتلال».
بدورها، جددت وزارة داخلية «حماس» استعدادها لبسط الأمن وحماية الجبهة الداخلية في غزة من اليوم الأول، مؤكدة أنها تكثف جهود أجهزتها خلال الأيام المقبلة في جميع المحافظات لاستعادة النظام، وتفعيل خدمات المواطنين.
ومع سريان الاتفاق، باشرت أجهزة وزارة الداخلية والأمن الوطني انتشارها في الشوارع ومفترقات الطرق الرئيسة بجميع المحافظات، لتأمين الممتلكات العامة والخاصة، والتعامل مع مخلفات الاحتلال الخطرة.
غرفة عمليات حكومية
وبعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، أقرّت الحكومة الفلسطينية أمس الأول «إنشاء غرفة عمليات حكومية طارئة للمحافظات الجنوبية (قطاع غزة) على أن تُمثَّل فيها كل الوزارات والمؤسسات المختصة من موظفي الفئة العليا، وتكون في حالة انعقاد دائم».
وصادقت حكومة الرئيس محمود عباس على «إدراج بند دائم على جلسة مجلس الوزراء للمحافظات الجنوبية (قطاع غزة)، وخلاله يتم عرض تقرير غرفة العمليات الحكومية الطارئة، ومتابعة التدخلات الحكومية في المحافظات الجنوبية، لاتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات».
أكوام الركام
ومع عودة السكان إلى بيوتهم، بدت مدن ومخيمات القطاع أكوام ركام، فيما اغلقت معظم الشوارع بحجارة المباني المدمرة مع حفر كبيرة تتوسط العديد من الطرقات.
ووفق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية «اوتشا»، فإن %92 من منازل غزة، أي نحو 436 ألف منزل، دُمرت أو تضررت جراء العدوان الإسرائيلي، فيما نزح %90 من المواطنين عن بيوتهم.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية ريك بيبركورن إن وقف النار يبعث الأمل، لكن التحدي المذهل سيكون معالجة الاحتياجات الهائلة، واستعادة النظام الصحي مهمة معقدة وصعبة، بالنظر إلى حجم وتعقيد العمليات والقيود المترتبة عليها.
وإذ طالب بإدخال طواقم عربية وأجنبية للمساعدة، أعلن الدفاع المدني في غزة أن طواقمه تبحث عن جثامين أكثر من 10 آلاف شهيد تحت الأنقاض، وانتشلت من مواقع القصف أكثر من 97 ألف مصاب، مشيراً إلى اختفاء أجساد 2842 فلسطينياً دون وجود أثر لهم، بسبب القصف الإسرائيلي.
وفيما دخلت 630 شاحنة مساعدات على الأقل غزة في اليوم الأول توجه نصفها على الأقل إلى شمال القطاع، أكد وزير الأشغال والإسكان عاهد بسيسو أن 50 شاحنة وقود ستدخل يومياً القطاع حسب الاتفاق، منها 10 ملايين لتر تبرع العراق بها.
وأكد بسيسو أن هناك إمكانية لإعادة ترميم جزء من الوحدات السكنية القابلة للترميم، مع نشر 200 ألف وحدة سكنية عبارة عن كرفانات في أماكن متعددة.
وأفادت بلدية غزة بأن أكثر من 70 في المئة من طرق المدينة دمرت بالكامل، وقالت إن هناك 350 ألف طن من النفايات متكدسة فيها ما يهدد بانتشار الأوبئة، وهي بحاجة للإزالة السريعة لدرء المخاطر الناجمة عنها بأسرع وقت ممكن.
إلى ذلك، أكد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، أمس، ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار غزة وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية في أقرب فرصة.
واستعرض السيسي خلال اتصال مع المستشار النمساوي، ألكسندر شالينبرغ، الجهود المصرية لضمان تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، وإنفاذ المساعدات بالشكل الكافي لإنقاذ سكانه من المأساة الإنسانية.
حرب وسلم
وفي اليوم الثاني، قال بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب الصهيونية الدينية: «علينا أن نحتل القطاع كله وإقامة حكم عسكري هناك، لأنه لا توجد قوة ثالثة» يمكن أن تضمن الأمن هناك.
وأوضح سموتريتش أن رئيس هيئة الأركان، هرتسي هاليفي، ليس الشخص المناسب لقيادة الجيش. وأضاف أن ما نحتاجه هو شخص يفهم أن احتلال قطاع غزة كله مهمته، «يدعم ذلك وعلى استعداد لتطبيقه».
وفي خضم دعوات أهالي الرهائن لاستعجال المرحلة الثانية من الاتفاق، شدد زعيم المعارضة يائير لابيد على أن الحرب انتهت، ويجب تنفيذ صفقة التبادل بالكامل والاستمرار فيها حتى يعود آخر مختطف إلى عائلته.
وقال لابيد: «بعد أسوأ عامين في تاريخنا يجب أن تنتهي الحرب ويعود الهدوء إلى حياتنا، وهدفنا إعادة بناء الردع والاقتصاد وليس العودة للحرب».
واعتبر لابيد أن إسرائيل تحتاج إلى استعادة قوة الردع للحفاظ على مكانتها الجيدة، مؤكداً أن عليها بناء تحالف إقليمي ضد إيران وإيجاد نظام حكم بديل في غزة.
وغداة إتمام أول عملية تبادل، طالب رئيس الأركان الإسرائيلي بالاستعداد لعمليات كبيرة في الضفة الغربية خلال الأيام المقبلة.
وشن عشرات المستوطنين اعتداءات على قرى فلسطينية بالضفة الغربية عاد إليها الأسرى الفلسطينيون المفرج عنهم من بينها عين سينيا وترمسعيا وسنجل، وأضرموا النار في منازل، ورشقوا مركبات بالحجارة.
وفي سياق متصل، قتل فتى فلسطيني (14 عامًا) برصاص الجيش الإسرائيلي، في قرية سبسطية شمال الضفة الغربية. وقال رئيس مجلس سبسطية، محمد عازم، إن الفتى كان يتواجد في شارع قرب منزله، ولم تكن هناك أي مواجهات في المنطقة، كما أن سكان القرية لم يكونوا على علم بدخول الجيش الإسرائيلي إلى البلدة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي مقتل الرائد احتياط، أفيتار بن يهودا بالكتيبة 8211 التابعة للواء أفرايم في ليل الأحد- الاثنين، وإصابة قائد الكتيبة جراء انفجار عبوة ناسفة في مركبتهم بقرية طمون شمال الضفة الغربية، ليرتفع عدد القتلى الإسرائيليين الى 841 منذ بداية الحرب.